
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
في خضم المشهد الإعلامي المضطرب في الشرق الأوسط، تطفو على السطح أسئلة محرجة حول الدور الحقيقي لبعض المنصات الإخبارية التي ترفع شعار الحياد بينما تقدم محتوى يبدو وكأنه مصمم بعناية فائقة لتلبية أجندات خفية. قناة الجزيرة، التي تحولت على مدى العقود الماضية إلى ظاهرة إعلامية معقدة، تواجه اليوم اتهامات خطيرة تتجاوز مجرد التحيز التحريري لتصل إلى حدود التواطؤ الاستخباراتي مع جهات قد تضر بالمصالح العربية.
اللافت في الأمر أن القناة، التي تتخذ من الدوحة مقراً لها، تقدم تحليلات عسكرية تفصيلية حول القدرات الإيرانية، بدءاً من مواصفات الصواريخ الباليستية ووصولاً إلى دقة أنظمة التوجيه ومعدلات الاستجابة. هذه المعلومات، التي تُقدّم تحت غطاء “الخبرة الفنية”، تتحول عملياً إلى دروس مفتوحة المصدر للمخابرات الإسرائيلية التي لا تحتاج سوى إلى ربط هذه المعطيات مع بياناتها الخاصة لرسم خريطة شاملة للتهديدات المحتملة. إن الدقة المفرطة في وصف الأنظمة العسكرية ليست بريئة في سياق صراع وجودي، بل تصبح عملاً يشبه تفكيك أسرار العدو ونشرها على الملأ.
في المقابل، تتبع إسرائيل استراتيجية إعلامية مغايرة لكنها متكاملة مع هذا المشهد. فهي لا تخفي تفاصيل أسلحتها، بل تتباهى بها في مقاطع مصورة عالية الجودة، كرسالة ردع واضحة. لكن الفارق الجوهري هنا أن الترويج للقدرات العسكرية الإسرائيلية يخدم هدفاً استراتيجياً معلناً، بينما التحليلات “التقنية” للجزيرة قد تخدم هدفاً غير معلن: تسهيل مهمة التحليل الاستخباراتي للعدو من خلال تقديم البيانات الجاهزة دون عناء التجسس الميداني.
السؤال الأكثر إثارة للقلق: هل يمكن أن تكون هذه الممارسات جزءاً من تبادل غير مكتوب بين جهات إقليمية لها مصالح متقاطعة؟ التاريخ يعلمنا أن بعض وسائل الإعلام كانت أدوات في حروب الظل، سواء عبر التضليل أو عبر التسريبات المقصودة. ما يحدث اليوم قد يكون نسخة متطورة من هذه الألعاب، حيث تُستخدم الشاشات كمنصات لنقل الرسائل المشفرة بين الأطراف.
لا يمكن الجزم بوجود نية مبيتة دون أدلة قاطعة، لكن الثابت أن غياب الشفافية في دوافع هذه التحليلات، وتوقيتها المتزامن مع تصاعد التهديدات الإقليمية، يضع علامات استفهام كبيرة. إذا كانت بعض القنوات تنقل الأخبار، فإن أخرى قد تكون تنشئها أو تعيد صياغتها لخدمة أطراف بعينها. في زمن الحرب، تصبح الكلمة سلاحاً، والمعلومة ذخيرة. والخط الفاصل بين الصحافة والاستخبارات قد يكون أكثر ضبابية مما نعتقد.