
المصطفى الجوي – موطني نيوز
يا لسعادة سكان بنسليمان الغامرة! يا لفخرهم بمجلسهم الجماعي “الرائد” ورئيسه “الملهم”، الذين يبذلون الغالي والنفيس، ليس لتنمية المدينة ورفاه أهلها كما قد يظن الساذجون، بل لتحويلها، وبنجاح منقطع النظير، إلى نموذج حي لـ”مدينة المستقبل”… مستقبلٌ، يبدو أنه غارق في النفايات، متجذر في الفوضى، ومُعانقٌ بحرارة لمظاهر التخلف التي يُفترض أننا ودعناها منذ عقود.
فبفضل “الرؤية الثاقبة” للمجلس الموقر، أصبحت شوارع بنسليمان وأزقتها لوحات فنية سريالية تمتزج فيها أكوام القمامة المتناثرة بألوان الطبيعة الخضراء التي كانت المدينة تُعرف بها يوماً ما. “شكراً” جزيلاً لشركة جمع النفايات، التي يبدو أنها تعاني من وهن مزمن وشاحناتها المتهالكة بالكاد تقوى على الحركة، تاركةً وراءها مهمة “تزيين” المدينة بالنفايات لسكانها الكرام. “شكراً” أكبر للمجلس الذي يراقب هذا المشهد “الحضاري” بعين الرضا، متجاهلاً صرخات المواطنين واستغاثاتهم من الروائح الكريهة والأمراض التي تتربص بهم خلف كل زاوية تفوح منها رائحة الإهمال. أليس هذا هو “التدبير المعقلن” الذي نطمح إليه؟
ولا تتوقف “إنجازات” المجلس عند هذا الحد! ففي خطوة “جريئة” نحو المستقبل، وانسجاماً مع رؤية “بنسليمان 2030” الطموحة، قرر المجلس، بحكمته المعهودة، أن يتغاضى عن نقطة منع العربات المجرورة بالدواب. نعم، لماذا نحرم أنفسنا من هذا المنظر “الخلاب” لعربات “الكوتشي” وغيرها وهي تجوب شوارع المدينة بحرية، يقودها أحياناً قاصرون، ناشرةً الفوضى ومعرقلةً للسير ومُضيفةً لمسة “أصالة” بدوية على مشهد المدينة “العصرية”؟ إنها حقاً نظرة استشرافية للمستقبل، حيث تتعايش السيارات الفارهة جنباً إلى جنب مع الدواب وروثها في تناغم فريد! “شكراً” للمجلس على هذا التشبث بـ”التراث”، حتى لو كان على حساب النظام العام وجمالية المدينة وصحة سكانها.
وبينما تغرق المدينة في “زبالتها” وفوضاها، ينشغل رئيس المجلس، السيد محمد اجديرة، ومعه بعض المستشارين الأفاضل، بقضايا “أكثر أهمية” على ما يبدو. فالملفات “الحارقة” التي تحقق فيها الفرقة الوطنية، من إعفاءات ضريبية بمئات الملايين لمشاريع عقارية غامضة، إلى شبهات تبديد المال العام في دعم فريق رياضي يشرف عليه نجل الرئيس نفسه (الذي سبق وأُدين)، مروراً بإحداث محجز بلدي دون ترخيص وحرق سجله، كلها تفاصيل “بسيطة” لا ينبغي أن تشغل بال المواطن عن “الإنجازات” الكبرى التي يراها بأم عينه في شوارع مدينته!
ولا ننسى بالطبع دور بعض “الفاعلين” من أبناء المدينة، أولئك الذين يتاجرون بمآسيها، يصفقون للفوضى، ويجدون في الخراب القائم فرصة لتحقيق مصالح ضيقة. إنهم السند الحقيقي لهذا المجلس “الناجح”، يبررون فشله ويشجعون على استمراره. “شكراً” لهم أيضاً، فلولاهم لما وصلت بنسليمان إلى هذا الدرك “المشرف” من التردي.
السيد الرئيس السادة المستشارين، لا يسعنا إلا أن نجدد الشكر، وبحرارة أشد، للمجلس الجماعي لبنسليمان ورئيسه وكل من ساهم ويساهم في هذا “المشروع التنموي” الفريد من نوعه، مشروع تحويل المدينة إلى “زبالة” نموذجية وعاصمة للفوضى المنظمة. إنكم حقاً تبنون مدينة المستقبل… مستقبلٌ نخشى أن لا يجد فيه أحفادنا متراً مربعاً واحداً خالياً من النفايات أو بعيداً عن فوضى “الكوتشيات”.