#كلنا_خديجة..أو عندما تحتقر “الشيخة” في المغرب

الضحية خديجة

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

في قلب إقليم سيدي قاسم، وتحديداً بجماعة دار الكداري، تتكشف فصول مأساة إنسانية تهز الضمائر الحية وتضع علامات استفهام كبرى حول مفهوم العدالة في وطننا. هنا، تعيش خديجة، امرأة مطلقة، فقيرة، لا تملك من حطام الدنيا سوى كرامتها وأبناء تسعى جاهدة لتوفير لقمة العيش لهم. لم يكن لها سندٌ سوى إيمانها بقيمة الصمود، ولا سلاح تدافع به عن نفسها سوى كلمة “لا” التي نطقت بها في وجه الظلم والغطرسة.

لكن هذه الـ”لا” البريئة، الصادقة، كلفتها ثمناً باهظاً، ثمناً كُتب بدمائها ودموعها على صفحة وجهها الذي مزقته يد البغي والعدوان. في لحظة طيش وسُكر، تجرأ أحد أثرياء المنطقة، ممن ظنوا أن المال والنفوذ يمنحانهم حصانة فوق القانون وفوق البشر، على التحرش بخديجة. وعندما واجهته بشجاعة المرأة الحرة التي تأبى الضيم، لم يجد وسيلة لكسر كبريائها سوى كسر زجاجة خمر وتفريغ حقده في وجهها الأعزل. ثمان وثمانون غرزة، رقمٌ صادمٌ بقدر ما هو مؤلم، احتاجت إليها لترتق جراحها الغائرة، فيما قدّر الأطباء مدة عجزها بخمسة وثلاثين يوماً، أيامٌ قضتها بين الألم الجسدي والنفسي، وبين مرارة الإحساس بالظلم والقهر.

لكن جراح خديجة لم تكن وحدها التي تنزف، بل نزفت معها قيم العدالة والمساواة. فبينما كانت هي تئن تحت وطأة الألم، كان الجاني، السكّير المعتدي، يتنفس هواء الحرية، يسير بين الناس وكأن شيئاً لم يكن. دم خديجة، في ميزان البعض، يبدو أنه لا وزن له، وفقرها، وامتهانها لمهنة “شيخة” في عرفهم، يسقط عنها أبسط حقوق المواطنة ويجعلها عرضة للاعتداء والتنمر وكأنها حيوان علما ان الحيوانات بات لهم قانون يحميهم. الملف ظل يراوح مكانه، يغطيه غبار التجاهل والإهمال، إلى أن التقطته أقلام بعض المواقع الإخبارية الشريفة، لتنفض عنه الغبار وتضعه تحت مجهر الرأي العام. عندها فقط، تحركت عجلات ما يمكن تسميته بـ”العدالة الانتقائية”، تحركت على مضض، وكأنها تُجبر على أداء واجبها.

أمام هيئة المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، كانت الأنظار تتجه صوب منصة القضاء، تنتظر حكماً ينصف المظلومة ويعيد لها شيئاً من كرامتها المسلوبة. لكن، ويا للأسف، كانت رحمة القاضي موجهة في غير اتجاهها الصحيح. لم تكن خديجة هي من حظيت بالرحمة، بل كان الجاني، المعتدي، هو من نال نصيب الأسد منها. حكمٌ مخففٌ ان لم نقل براءة ضمنية، صادمٌ في خفته، صدر بحقه : شهران فقط! شهران نافذان مقابل ثمان وثمانين غرزة حفرت ندوبها على وجه امرأة بريئة. شهران مقابل تشويه حياة إنسانة وتدمير مستقبلها. شهران مقابل عاهات قد تكون مستديمة ترافقها طوال حياتها. شهران مقابل صرخة كرامة امرأة قالت “لا” في وجه الباطل، فكان جزاؤها الذبح المعنوي والجسدي.

إن قضية خديجة ليست مجرد حادثة فردية عابرة، بل هي صرخة مدوية في وجه مجتمع بأسره، هي مرآة تعكس واقعاً مريراً حيث يُكال العدل بمكيالين، مكيال للنفوذ والسلطة، ومكيال آخر للفقراء والمستضعفين. إنها قضية وطن، تُطرح فيها أسئلة جوهرية حول سيادة القانون، وحول قدسية كرامة الإنسان بغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو المادي. فإلى متى سيظل صوت الضعيف خافتاً في أروقة المحاكم المغربية؟ وإلى متى ستظل العدالة حلماً بعيد المنال لمن لا ظهر لهم ولا سند؟ إن صرخة خديجة يجب أن توقظ فينا ضمائرنا تماما كما وقع مع سلمى ضحية العدل في المغرب والتي حكم على التي تسببت لها في عاهة مستديمة نتيجة 56 غرزة بشهرين كذلك، وأن تدفعنا جميعاً للمطالبة بعدالة حقيقية، عدالة لا تميز بين غني وفقير، عدالة تعيد للكرامة الإنسانية اعتبارها المسلوب.

وعليه اقول لهذا القاضي ما سر الحكم ب”شهرين” في مراكش و بالأنس في مشرع بلقصيري ؟! في حين أن القانون الجنائي المغربي يا معالي القاضي العادل يا من اديت القسم بان تصون حقوق المظلومين وتحديدا الفصل 402 يتطرق إلى عقوبة جريمة الضرب و الجرح أو الجرح الذي يؤدي إلى عاهة مستديمة. فإن العقوبة تكون وفقا لهذا الفصل السجن لمدة تتراوح بين 5 و 10 سنوات في حالة ثبوت التهمة.

فهل هذه المادة تستثني من احكامها “الشيخة”؟
#كلنا_خديجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!