لماذا لا تحمي الشرطة المبلغين في المغرب؟ (الجزء الثالث)

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

وهنا يبرز السؤال المحوري الذي طرحه المواطن المتوجس بقلق وخوف، وهو سؤال مشروع ومؤلم في آن واحد: هل ستقوم المديرية العامة للأمن الوطني، وهي الجهة الوصية على أمن البلاد والعباد، بواجبها المقدس في وضع حد لهذا التسيب وهذا الاستهتار بأرواح ومصالح المواطنين الشرفاء؟ هل ستتحرك بحزم لا يلين لوضع عقوبات سالبة للحرية، لا مجرد عقوبات إدارية شكلية ومخجلة، بما في ذلك الطرد النهائي من الوظيفة، في حق كل من يثبت تورطه، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الكشف عن هوية المبلغين أو بيع معلوماتهم أو تعريضهم للخطر بأي شكل من الأشكال؟ إن الإجابة الحاسمة على هذا السؤال هي التي ستحدد مصداقية المؤسسة الأمنية في عيون المواطنين، وهي التي سترسم ملامح المستقبل الأمني للبلاد.

إن التراخي في مواجهة هذا السرطان الخبيث الذي ينخر في جسد المؤسسة الأمنية يعني، ببساطة، التضحية بأمن المجتمع واستقراره على مذبح الفساد والإهمال القاتل. لا يمكن أن نتوقع من المواطن أن يثق في شرطة لا تحميه، ولا يمكن أن نطالبه بالتعاون مع جهاز يشعر بأنه قد يكون مصدراً للخطر عليه وعلى أسرته.

إن بناء جسور الثقة المنهارة يتطلب أفعالاً ملموسة وصادقة، لا مجرد تصريحات وبيانات تطمينية فارغة. يتطلب تطهيراً داخلياً حقيقياً وشجاعاً، ومحاسبة شفافة وصارمة، ووضع آليات حماية فعالة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، يشعر معها المبلغ أنه في أيد أمينة، وأن الدولة تقف خلفه بكل إمكانياتها وقوتها لحمايته وأسرته من كل مكروه.

إن قضية حماية المبلغين ليست قضية هامشية أو ثانوية يمكن تأجيلها، بل هي في صلب معركة الدولة والمجتمع ضد الجريمة المنظمة والفساد المستشري. فبدون مبلغين شجعان ومحميين، تصبح أجهزة الأمن والعدالة عمياء صماء، وتصبح مكافحة الجرائم المعقدة والمتشعبة شبه مستحيلة.

إن كل معلومة يتم تسريبها، وكل مبلغ يتم التخلي عنه وتركه لمصيره المجهول، هو بمثابة طعنة غادرة في ظهر العدالة، وخدمة مجانية لا تقدر بثمن تقدم للمجرمين والفاسدين على طبق من ذهب. إن الأمر يتطلب وقفة حازمة ومراجعة شاملة وعاجلة للسياسات والممارسات الحالية. يجب أن تتجاوز المديرية العامة للأمن الوطني منطق الدفاع عن النفس أو تبرير الأخطاء الفردية المعزولة، وأن تعترف بوجود المشكلة وتعمل بجدية وشفافية على إيجاد حلول جذرية وفعالة لها.

يجب أن يشمل ذلك إعادة النظر في معايير اختيار وتكوين رجال الأمن، وتعزيز آليات الرقابة الداخلية وتفعيلها بشكل حقيقي، وتفعيل قنوات آمنة وموثوقة لتلقي البلاغات والشكاوى بسرية تامة، والأهم من ذلك، تطبيق القانون بحزم وقوة على كل من يثبت تورطه في تعريض المبلغين للخطر. إن العقوبات يجب أن تكون رادعة بما فيه الكفاية، وأن تشمل، كما يطالب المواطنون بحق، السجن والطرد من الوظيفة، حتى تكون عبرة لمن يعتبر، وحتى يدرك كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة أن لا مكان له في جهاز أمني يفترض فيه النزاهة والشرف والوطنية الصادقة. إن مستقبل الأمن في المغرب مرهون بقدرة مؤسساته على استعادة ثقة المواطنين، وهذه الثقة لن تأتي إلا من خلال أفعال ملموسة تثبت أن حماية الشرفاء ومحاسبة المفسدين هي أولوية قصوى لا تقبل المساومة أو التهاون أو التأجيل.

إن الصمت المطبق الذي يلف المجتمع المغربي إزاء الكثير من الجرائم ليس صمت الرضا أو اللامبالاة السلبية، بل هو في كثير من الأحيان صمت الخوف واليأس والقنوط، صمت من يرى أن صوته لن يُسمع، وأن شهادته قد تجلب له المتاعب والمصائب أكثر مما تساهم في تحقيق العدالة المنشودة.

هذا الصمت المطبق هو بمثابة جرس إنذار مدوٍ، ينذر بتفكك النسيج الاجتماعي وتآكل قيم التضامن والمواطنة الفاعلة. فالمجتمع الذي يخشى أفراده من التبليغ عن الظلم والجريمة هو مجتمع مريض، مجتمع يفقد مناعته الأخلاقية والقانونية، ويصبح مرتعاً خصباً لكل أشكال الانحراف والتسلط والاستبداد. إن العلاقة بين المواطن والدولة، وخاصة مع أجهزتها الأمنية، يجب أن تقوم على الثقة المتبادلة والاحترام العميق، ثقة المواطن في أن الدولة ستحميه وتصون كرامته، وثقة الدولة في أن المواطن سيكون عوناً لها في الحفاظ على الأمن والنظام العام.

ولكن كيف يمكن لهذه الثقة أن تنمو وتترسخ في ظل ممارسات تبعث على الشك والريبة والخوف؟ كيف يثق المواطن بشرطي قد يراه غداً يتبادل أطراف الحديث بود مع المجرم الذي وشى به، أو يسمع أن هويته قد سُربت إلى جهات معادية له؟ إنها معادلة مستحيلة، وتناقض صارخ يدفع المواطن إلى الانكفاء على ذاته، والبحث عن حلول فردية لمشاكله، أو الاستسلام للأمر الواقع المرير والمظلم.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!