لماذا لا تحمي الشرطة المبلغين في المغرب؟ (الجزء الثاني)

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

إن التساؤل عن سلوك رجل الأمن الذي يبرر للمجرم سبب استدعائه، أو ذلك الذي يتحجج بالإخبارية كمصدر لتحركه، يكشف عن خلل عميق وجذري في فهم طبيعة الوظيفة الأمنية ومسؤولياتها الجسيمة. فالأصل في رجل الأمن أن يكون ممثلاً صارماً للقانون وسلطة الدولة القاهرة، لا وسيطاً متهاوناً أو مبرراً متخاذلاً أمام الخارجين عن القانون.

إن مهمته الأساسية هي تطبيق القانون بحزم ونزاهة مطلقة، وحماية مصادر معلوماته بسرية تامة لا تقبل المساومة، لا أن يتحول إلى قناة لتسريب المعلومات الحساسة أو طرف في حوار غير مفهوم ومريب مع المجرم. وعندما يتخلى رجل الأمن عن هذه المبادئ الأساسية الراسخة، فإنه لا يسيء إلى نفسه فقط، بل يضرب في الصميم صورة المؤسسة الأمنية بأكملها، ويزرع بذور الشك والريبة القاتلة في نفوس المواطنين.

إن إفشاء السر المهني، وخاصة ما يتعلق بهوية المبلغين، ليس مجرد مخالفة إدارية بسيطة يمكن التغاضي عنها، بل هو جريمة أخلاقية وقانونية نكراء يجب أن تواجه بأقصى درجات الحزم والعقاب الرادع. فكيف يمكن بناء مجتمع آمن ومستقر إذا كان من يوكل إليهم أمر حمايته هم أول من يخرق قواعد الأمانة والسرية والمهنية؟ إن هذا السلوك المشين لا يهدد المبلغين فقط، بل يقوض بشكل مباشر جهود الدولة في مكافحة الجريمة المنظمة والفساد المستشري، لأن هذه الجرائم غالباً ما تعتمد في كشفها على شهادات ومعلومات دقيقة يقدمها أفراد شجعان يخاطرون بالكثير، بل بكل شيء أحياناً.

فإذا كانت مكافأة هؤلاء هي الخذلان والخطر المحدق، فمن ذا الذي سيجرؤ على التقدم مستقبلاً؟ إن النتيجة الحتمية هي مجتمع يصمت فيه الشرفاء، ويتطاول فيه المجرمون والفاسدون، وتصبح فيه العدالة مجرد حلم بعيد المنال، سراب خادع في صحراء اليأس. إن عزوف المواطن عن الشهادة ليس جبناً فطرياً، بل هو في كثير من الأحيان رد فعل منطقي ومفهوم على واقع مرير يفتقر إلى أبسط ضمانات الحماية والأمان، وهو مؤشر خطير للغاية على تآكل العقد الاجتماعي الأساسي بين المواطن والدولة.

إن المسؤولية الجسيمة لا تقع فقط على عاتق رجل الأمن الفرد الذي يخون الأمانة أو يقصر في واجبه بشكل فاضح، بل تمتد لتشمل المنظومة الأمنية بأكملها، بدءاً من آليات الرقابة والتفتيش الداخلية التي قد تكون صورية أو غير فعالة، مروراً بأنظمة التدريب والتكوين التي يجب أن تغرس في نفوس رجال الأمن أخلاقيات المهنة الرفيعة وأهمية حماية مصادر المعلومات كأولوية قصوى، وصولاً إلى القيادات العليا التي يقع على عاتقها وضع سياسات واضحة وصارمة لضمان تطبيق القانون وتوفير الحماية الفعلية والملموسة للمبلغين والشهود.

إن غياب المساءلة الحقيقية والعقوبات الرادعة هو ما يغري ضعاف النفوس بالتمادي في الخطأ، ويشجع على استمرار هذه الممارسات المقوضة لأسس العدالة والأمن المجتمعي. وعندما يرى رجل الأمن أن زميله الذي سرب معلومات حساسة أو تواطأ مع مجرم يفلت من العقاب أو يعاقب بشكل صوري ومخجل، فما الذي يمنعه من أن يسلك نفس الطريق المظلم إذا سنحت له الفرصة أو تعرض للضغط أو الإغراء المادي؟ إنها حلقة مفرغة من التقصير والفساد، لا يمكن كسرها إلا بإرادة سياسية حازمة وقرارات قضائية وإدارية صارمة لا تستثني أحداً، مهما علا منصبه أو قوي نفوذه.

إن الحديث الرنان عن بناء دولة الحق والقانون يظل مجرد شعارات جوفاء وطموحات واهية إذا لم يترافق مع آليات فعالة وملموسة لضمان نزاهة القائمين على تطبيق القانون ومحاسبة كل من يثبت انحرافه أو فساده دون تردد أو محاباة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!