
المصطفى الجوي – موطني نيوز
انفجرت قنبلة فساد جديدة تهزّ أركان الجامعة المغربية، بعدما كشفت تحقيقات الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية عن شبكة منظمة لتزوير الشهادات الجامعية داخل جامعة ابن زهر بأكادير، تقودها “مافيا أكاديمية” يترأسها أستاذ بكلية الحقوق، تم إيداعه مؤخرًا السجن المحلي “الوداية” بمراكش بأمر قضائي. الفضيحة لم تكتفِ بكشف تورط أساتذة في بيع الشهادات، بل امتدت إلى محامين ومسؤولين قضائيين وعائلات ثرية، حوّلت الجامعة إلى سوق سوداء للمعرفة، حيث تُباع شهادات الماستر والدكتوراه بأثمان باهظة، وتُشترى المسارات المهنية بالمال والواسطة.
التحقيقات كشفت أن الأستاذ الجامعي، الذي يجمع بين الزعامة الأكاديمية والانتماء السياسي كمنسق إقليمي لحزب الاتحاد الدستوري، حوّل مكتبه إلى “وكالة غير قانونية” لتصدير الشهادات، مستغلًا نفوذه في دوائر القضاء والمال. فبينما كان يفترض أن يكون حارسًا للشرعية الأكاديمية، أصبح وسيطًا لتسريب شهادات إلى محامين من أكادير وبني ملال، ومسؤولين قضائيين، وأبناء عائلات ميسورة، دون أدنى احترام للضوابط القانونية أو الأخلاقية. الأكثر صدمةً أن التحريات رصدت تحويلات بنكية ضخمة تصل إلى ملايين الدراهم، تدفقت على حسابه الشخصي، في مقابل “خدمات” لم تكن سوى تزوير صارخ لمستقبل مهني بأكمله.
ولم يسلم من براثن هذه الشبكة حتى موظفون حكوميون، استغلوا شهادات مزورة للحصول على ترقيات غير مستحقة، في سيناريو يُكرّس “الفساد المؤسساتي” الذي ينهش جسد الإدارة المغربية. فتحقيقات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كشفت أن بعض الموظفين الذين خضعوا للاستماع اعترفوا ضمناً باستغلالهم لهذه الشهادات، ما يعزّز فرضية تحوّل الجامعة إلى وكر لـ”الاتجار بالشهادات” تحت غطاء المصداقية العلمية.
وفي تفاصيل أكثر إيلامًا، تورطت عائلة الأستاذ بالكامل في هذه الحلقة الفاسدة، حيث ظهرت زوجته المحامية بهيئة أكادير، وابنه المحامي المتمرن، ورئيس كتابة الضبط بإحدى المحاكم، كأطراف في الشبكة، ما دفع السلطات إلى سحب جوازات سفرهم وإغلاق الحدود في وجوههم، في انتظار محاكمة تُفضح حجم التواطؤ العائلي في تشويه سمعة المنظومة القضائية والأكاديمية معًا.
أما الحزب السياسي الذي كان يتباهى بعضوية الأستاذ، فسارع إلى “تجميدها” بمجرد انكشاف الفضيحة، في محاولة يائسة لتنظيف صورته، رغم أن التعيين نفسه كان مبنيًا على “شهادة زور” لأستاذ تحوّل إلى زعيم لشبكة فساد. القرار الذي اتخذه الاتحاد الدستوري لم يكن سوى رد فعل انتهازي، يكشف ثغرات في آلية انتقاء الكوادر الحزبية، التي تفتقر إلى أبسط معايير التقييم الأخلاقي.
هذه الفضيحة ليست مجرد حالة فساد عابرة، بل هي صفعة قوية لمصداقية التعليم العالي المغربي، الذي أصبح يُدار بأدوات المال والسلطة بدل الجدارة والكفاءة. فما حدث في جامعة ابن زهر ليس سوى نموذجٍ لفيروسٍ ينخرُ جسم الجامعات المغربية، حيث تُختزل القيمة العلمية في ورقةٍ مُزوّرة، ويُباع المستقبلُ المهني في سوقٍ علنيةٍ تحت سمعِ الدولة وبصرها. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: كم “مافيا” أخرى تعمل في الخفاء، وتُجارًا بالشهادات، لم تُكشف حساباتهم بعد؟