
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في خضم الفوضى العارمة التي تعيشها منطقة سيدي يحيى زعير، يبرز ملف المقالع كواحد من أبشع تجليات الفساد المُمنهج الذي تنخرط فيه أطراف متعددة بلا حياء. فها هو مقلع “بئر خليفة” يقدم نموذجًا صارخًا للإفلات من العقاب، حيث تتكشف خيوط شبكة معقدة تضم مستشار جماعي وعون سلطة، جميعهم يعملون لخدمة مصالح فئة محدودة على حساب المال العام وسكان المنطقة واعني مقلع “بئر خليفة”.
اللافت في هذا الملف تلك العلاقة الغير مفهومة التي تربط صاحب المقلع بأحد نواب رئيس جماعة سيدي يحيى زعير، حيث تم توظيف أبنائه الثلاثة في مراكز مهمة مع تزويدهم بسيارات دون سواهم من أبناء باقي الأعضاء. والمستشار المعني، الذي يصادف أن يكون مكلفًا بملف الرخص – وما أدراك ما الرخص – يمارس صلاحياته بشكل يخدم مصالح المقلع بشكل واضح. أما عون السلطة “المقدم”، فقد تحول إلى مجرد ظل لصاحب المقلع، لدرجة أن الساكنة لم تعد تعرف هل هو ممثل الدولة أم حارس خاص للمقلع.
ولكن جوهر الإختلال الخطير في هذا الملف يكمن في التهرب الضريبي الفاضح، حيث تظهر الأرقام حجم النهب المنظم لموارد المنطقة. فمقلع “بئر خليفة” ينتج يوميًا ما بين 13 و16 ألف متر مكعب، أي حوالي 1000 حمولة يوميًا كحد أدنى. وبعملية حسابية بسيطة : إذا افترضنا أن المقلع ينتج فقط 1000 متر مكعب يوميًا كأدنى تقدير، فإنه يكون مدينًا للجماعة بمبلغ 450 مليون سنتيم كل ربع سنة (1000×25=25,000 يوميًا x3 أشهر=750,000 x6 دراهم للطن=4,500,000 درهم).
أما إذا أخذنا الرقم الحقيقي الذي يصل إلى 16 ألف متر مكعب يوميًا، فإن الخسارة تتضاعف لتبلغ مليارات السنتيمات سنويًا.
هذه الأرقام الصادمة تطرح سؤالًا محوريًا: أين تذهب هذه الأموال الطائلة التي كان من المفترض أن تدخل خزينة الجماعة؟ ولماذا تتغاضى الجهات المعنية عن هذا النهب المنظم؟ إن التهاون في هذا الملف يحرم المنطقة من موارد كانت ستغير وجهها بالكامل، وستكون قادرة على تمويل مشاريع بنية تحتية حيوية.
ونوجه هنا سؤالًا مباشرًا إلى السيد الحماري رئيس جماعة سيدي يحيى زعير: هل قامت الجماعة بالتحقق من صحة التصريحات المقدمة من قبل المقلع؟ إذا كان الجواب لا، فما هو التبرير المقنع لهذا الإهمال؟ إنها مسؤولية قانونية وأخلاقية، فالمال العام ليس ملكًا للجماعة بل للسكان الذين من حقهم أن يعرفوا كيف تُدار مواردهم.
إننا نطالب السيد الوالي اليعقوبي والسيد العامل النوحي بفتح تحقيق عاجل وشامل في هذا الملف، خاصة فيما يتعلق بالرسم المفروض على استخراج مواد المقالع بناء على المادة 90 وحتى 96 من الباب الثاني عشر من القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية. كما نذكر رئيس الجماعة بمسؤوليته كموظف عمومي، ونحثه على القيام بزيارة ميدانية للمقلع رفقة خبراء جيولوجيين للتحقق من حجم الإنتاج الحقيقي.
وبالتالي فإن ما كشفناه اليوم ليس سوى غيض من فيض، وما نخفيه من وثائق وأدلة أكبر بكثير. فليعلم جميع المتورطين أن الشمس لا تُغطى بغربال، وأن الحقوق لا تضيع عندما يكون لها مطالبون. سيدي يحيى زعير تستحق الأفضل، وسنواصل كشف الفساد حتى يتحقق العدل.