الزيارة الملكية لبنسليمان بين بروتوكول الاحترام وفساد “سندات الطلب الاستثنائية”

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

كما هو مُعلن، فقد تم التأكيد على الزيارة الملكية المزمعة لإقليم بنسليمان، لكن التفاصيل الزمانية والمكانية ظلت حبيسة البروتوكول الرسمي، وهو أمر مفهوم. لكن ما لا يُفهم، وما يجب كشفه بقوة، هو كيف يُترك المجال أمام بعض رؤساء الجماعات الترابية لتحويل هذه المناسبات الوطنية إلى سوق سوداء للمصالح الشخصية، واللعب بالمال العام تحت ذريعة “الاستعدادات”. فبمجرد ورود إشارة الزيارة، تنطلق ماكينة الفساد بلا تردد، وتُرفع شعارات “الاستثناء” لتبرير عمليات الاختلاس المُمنهج.

المتتبع لآلية “سندات الطلب الاستثنائية” في مثل هذه الزيارات يكتشف بسهولة أن الأمر تحوّل إلى طقس فاسد بامتياز. فبدل اللجوء إلى بوابة الصفقات العمومية الشفافة – إن جاز تسميتها بذلك – تُمنح الصلاحية لرؤساء الجماعات لتوزيع السندات كيفما يشاءون، تحت ذريعة “السرعة” و”الضرورة”. لكن الحقيقة المرة هي أن هؤلاء “الرؤساء” حوّلوا هذه الآلية إلى ورشة للثراء السريع، حيث يُهرّب المال العام عبر صفقات وهمية أو مُبالغ فيها، تُمنح لمقاولين وشركات تربطهم بهم علاقات مشبوهة. والنتيجة؟ مشاريع هزيلة، أسعار مُضخمة، وأموال تتبخر في جيوب عصابات محلية تتربّح بالمناسبات الوطنية.

في إقليم بنسليمان، تُعتبر جماعات بنسليمان، بوزنيقة، المنصورية، وعين تيزغة الأكثر عرضة لهذه الآفة، حيث تُدار المعارك الخفية بين الأعضاء والرؤساء على “نصيب كل ذي حق من الفساد”. والأخطر من ذلك أن هذه المعارك وصلت إلى حد الاشتباك العلني، كما حدث في جماعة بنسليمان، حيث تحوّل اجتماع سري للسيد رئيس الجماعة، محمد أجديرة، مع بعض الأعضاء إلى ساحة صراع كادت أن تتحول إلى مأساة لولا ما يُسمى “باللطف الإلهي”. هل وصلنا إلى مرحلة يُهدّد فيها الفساد الأمن العام؟ الجواب نعم. فما حدث ليس سوى غيض من فيض، حيث كشفت الواقعة أن الفساد لم يعد مجرد اختلاسات خفية، بل تحوّل إلى صراعات مكشوفة تُهدّد الاستقرار المحلي. فالكل يغني على ليلاه، وكل واحد منهم بات يزكي هذا أو ذاك والنتيجة واحدة.

الغريب – أو غير الغريب – أن هذه الفضيحة وصلت إلى مسامع السيد العامل سمير اليزيدي، الذي اضطر إلى التدخل بمراسلة مصالح الجماعة في بنسليمان بوقف أي سندات طلب استثنائية. لكن السؤال الأهم: لماذا ينتظر الوصي الإداري حتى تتفاقم الأزمات ليتحرك؟ أين هي الرقابة المسبقة؟ وأين هي آليات المحاسبة التي يفترض أن تكون صارمة في مثل هذه الحالات؟ فالقادم في دورة ماي العادية قد يستدعي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لعله “يحشم ويراعي”.

الحقيقة التي لا يُريد أحد قولها بصوت عالٍ هي أن “سندات الطلب الاستثنائية” أصبحت ورقة فساد جماعية، تُدار من خلالها شبكة مصالح تتجاوز الأفراد إلى تشابكات أكبر. فما يحدث في بنسليمان ليس استثناءً، بل هو نموذج مصغّر لآفة تنخرط في جسد الإدارة الترابية. فإلى متى ستظل الزيارات الملكية – التي يفترض أن تكون مناسبات للتنمية – تُستخدم كغطاء لنهب المال العام تحت غطاء “عاش الملك”؟ وإلى متى سيظل المواطن البسيط يدفع ثمن هذه الألاعيب؟

لقد حان الوقت لكشف كل الأوراق، ومساءلة كل من تورط في هذه الدوائر المشبوهة. فالبلد لم يعد يحتمل مزيدًا من الفساد، والشعب لم يعد يصمت على من يسرقون قوته باسم “الاستثناءات” الوهمية، وما كشفت عنه حملات تحرير الملك العام في المغرب دليل على اننا وصلنا الى نقطة الا عودة والكل يبحث عن مصلحته الشخصية. كفى!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!