
المصطفى الجوي – موطني نيوز
لم يمضي شهر على انطلاق الحملة الضخمة التي وُصفت بـ”تحرير الملك العام”، تلك الحملة التي هزت وسائل الإعلام وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصور “الإنجازات” الغير مسبوقة. ولكن اليوم، وبعد أن هدأت الضجة الإعلامية، نجد أنفسنا أمام سؤال محوري: هل كان كل هذا مجرد مسرحية مُخرجة بعناية لخداع الرأي العام، أم أن هناك فعلاً إرادة حقيقية لتغيير الواقع؟ للأسف، الأدلة على الأرض تُثبت أننا كنا ضحايا خدعة كبرى، وأن “التحرير” لم يكن سوى كلمة جوفاء تختفي وراءها الفوضى نفسها التي عشناها لعقود.
ما حدث كان أشبه بعملية تجميل سريعة لوجه قبيح، حيث تم التركيز على بعض النقاط الاستعراضية بينما تُركت المناطق الحيوية تغرق في الفوضى ذاتها. المحلات المرخصة، تلك التي تدفع ضرائبها بانتظام وتلتزم بالقوانين، هي التي تحملت وطأة الحملة، بينما بقي الباعة الجائلون يمارسون نشاطهم بحرية فاقت كلالحدود، بل وتوسعوا في بعض الأحيان ليشغلوا مساحات أكبر من الطرقات والأرصفة. ففي شارع الحسن الثاني، بالقرب من المدارة الرئيسية، عادت “لكرارس” بقوة، وكأن الحملة لم تكن سوى حلم قصير سرعان ما تبدد. أما شارع أمگالة، فبات على وشك الاختناق الكامل، لا بسبب الازدحام المروري، بل بسبب انتشار الباعة العشوائيين الذين احتلوا الطريق العام وكأنه ملكية خاصة بهم ينافسون السيارات والشاحنات في حقهم في الطريق ومنع الوقوف بقوة الباعة.
ولم يكن الوضع أفضل في زنقة عين عودة، التي تحولت مرة أخرى إلى سوق عشوائي بعد أيام قليلة من “التحرير” الذي شهدناه. بائعون الخضار والفواكه، وسائقي الدراجات ثلاثية العجلات، عادوا إلى أماكنهم وكأن شيئاً لم يتغير. بل إن بعضهم ازداد جرأة، معتقداً أن الحملة لم تكن سوى ومضة إعلامية سرعان ما خبت. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: أين كانت السلطات المسؤولة عن المتابعة؟ أين كانت فرق المراقبة التي يفترض أن تضمن استمرارية النتائج؟ يبدو أن الإجابة واضحة: لم يكن هناك أي نية حقيقية لاستكمال المهمة أو ربما أصابهم الوهن للان الحمل ثقيل، بل كان الهدف مجرد تصوير بعض المشاهد لإيهام الناس بأن التغيير قادم.
حتى في الجانب الجمالي للحملة، كان الفشل ذريعاً. فبدلاً من توحيد واجهات المحلات وتنظيم الألوان وفق معايير واضحة، تم ترك الأمر للعشوائية. النتيجة؟ واجهات متباينة بألوان صارخة تفتقر إلى التناسق، وكأن المدينة تحولت إلى لوحة فوضوية رسمها فنان غير مكترث. اللون “الباج”، الذي كان من المفترض أن يكون معياراً موحداً، اختفى ليحل محله مزيج عشوائي من الألوان، مما يؤكد غياب التخطيط وعدم جدية المتابعة.
ولعل أكثر ما يُثير السخرية المريرة هو أن الحملة التي كان من المفترض أن تحرر الأرصفة للمشاة، حولت المعاناة إلى الشارع العام نفسه. فبعد أن كان المواطنون يشكون من احتلال الرصيف، أصبحوا اليوم يشكون من احتلال الطريق بأكمله. ففي بعض المناطق، مثل المنطقة القريبة من مركز فحص السيارات، لم يعد هناك أي وجود لسيارات الأمن أو القوات المساعدة، مما سمح للباعة الجائلين بالانتشار بشكل غير مسبوق وصل حتى نقطة البداية. وكأن الرسالة الموجهة للمواطنين واضحة: “استعدوا للعودة إلى المربع الأول، حيث الفوضى هي الحكم الوحيد”.
وعليه، يبدو أن “حملة تحرير الملك العام” لم تكن سوى فقاعة إعلامية انفجرت سريعاً، تاركة وراءها واقعاً أكثر إحباطاً مما كان قبلها. لقد تم استهداف الملتزمين وترك العابثين، وتم تصوير المشهد وكأنه انتصار بينما كانت الهزيمة تُحضّر في الخفاء. والنتيجة؟ مدينة تعود إلى فوضى الماضي، ولكن هذه المرة مع طعم مرير من الخيانة لوعود لم تتحقق. فإلى متى سيستمر هذا الاستهتار بمعاناة المواطنين؟ وإلى متى سنبقى ضحايا لشعارات براقة تخفي وراءها فشلاً ذريعاً؟ الجواب، للأسف، لا يبدو قريباً. واين هي الاستمرارية؟ وهل من مراقبة لشارع أمگالة واعادة الباعة الى الوراء بعدما باتوا يتسابقون على الاماكن الاولى و النتيجة شارع سيتم اغلاقه قريبا بل وسنشهد في الايام القادمة حوادث سير قد تكون خطيرة.
نحن في موطني نيوز لا ننكر الإنجازات بل نبصم كذاك على الإخفاقات.