
المصطفى الجوي ـ موطني نيوز
في السنوات الأخيرة، تحولت الجريمة في المغرب من ظاهرة محدودة إلى كابوس يومي يهدد أمن المواطنين واستقرار المجتمع. لم تعد تقتصر على الأحياء المهمشة أو الفئات الهشة، بل امتدت إلى المناطق التي كانت تعتبر آمنة، مما أثار ذعرًا عامًا جعل وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى ساحة مفتوحة لبث الأخبار المروعة عن جرائم السرقة والسطو والقتل الموثقة. السؤال الذي يفرض نفسه بقوة : كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الانتشار الكبير للجريمة؟
لا شك أن تعاطي المخدرات، وخاصة الصلبة منها والانتشار الواسع للبوفا، يلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم الظاهرة. فالمدمن الذي يحتاج إلى توفير ثمن جرعته اليومية يتحول إلى آلة للجريمة، مستعد لارتكاب أبشع الأفعال من أجل الحصول على المال. لكن هل المشكلة تكمن في الإدمان وحده؟ أم أن هناك عوامل أخرى أعمق تدفع الشباب نحو هذا المصير المظلم؟
البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة عاملان لا يمكن إغفالهما. فالشاب الذي لا يجد عملاً، ولا يستطيع تلبية احتياجاته الأساسية، يجد نفسه أمام خيارات محدودة، وأحيانًا يختار الطريق الأسهل، حتى لو كان غير قانوني. الفقر لا يبرر الجريمة، لكنه يخلق بيئة خصبة لها. وعندما يرى الشباب أن الفرص مغلقة أمامهم، وأن العدالة الاجتماعية غائبة، فإن اليأس قد يدفعهم إلى الانحراف.
لكن هل يكفي أن نلوم الظروف الاقتصادية وحدها؟ بالطبع لا. فدور الأسرة والمدرسة في التربية أصبح ضعيفًا للأسف. كثير من المجرمين اليوم هم نتاج بيئات مفككة، حيث غابت الرقابة الأسرية، وانهارت القيم الأخلاقية. والتربية لم تعد تعتمد على غرس المبادئ، بل أصبحت في كثير من الأحيان مجرد توفير المأكل والملبس، بينما يُترك الشباب لمواجهة العالم دون أي توجيه أخلاقي أو نفسي.
وفي خضم هذا الوضع المتأزم، يأتي القانون الجنائي الجديد الذي تمت المصادقة عليه، والذي يعد بمعالجة الإشكالات الأمنية عبر تشديد العقوبات. لكن التجربة تُظهر أن القوانين وحدها لا تكفي ما لم تكن هناك إرادة حقيقية لتطبيقها، وما لم تترافق مع إصلاحات اقتصادية واجتماعية تعالج جذور المشكلة. فالسجون ممتلئة، والعقوبات موجودة رغم عدم نجاعة الاحكام وتساهل القضاء معها، لكن الجريمة تستمر في الارتفاع، مما يعني أننا بحاجة إلى مقاربة شاملة تتعامل مع الأسباب، وليس فقط مع النتائج.
والحل طبعا لا يكمن في الاعتماد على الأمن والقضاء فقط، بل في سياسة متكاملة تشمل توفير فرص عمل، وتحسين الظروف المعيشية، وإصلاح المنظومة التربوية، ومحاربة الفساد الذي يستنزف موارد البلاد. كما أن دور الإعلام مهم في التوعية بدل التركيز على التهويل والإثارة والتفاهة، التي تزيد من حالة الخوف والذعر بين الناس.
فالمغرب بلد قوي بتاريخه وقيمه ويمتلك للاسف ترسانة من القوانين الغير مفعلة، ولا ينبغي أن نتركه يُجرّ إلى حافة الهاوية. لأن المواجهة يجب أن تكون جماعية، من الأسرة إلى المدرسة، ومن الحكومة إلى المجتمع المدني. فقد آن الأوان لوقف هذا الانحدار قبل أن يتحول إلى كارثة حقيقية يصعب إصلاحها.