موجة عزل غير مسبوقة تطال رؤساء جماعات في المغرب تشكل منعطفًا في محاربة الفساد الترابي 

وزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت

المصطفى الجوي ـ موطني نيوز

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، شهدت عدة أقاليم مغربية تسع قرارات عزل وتوقيف لنفس العدد من رؤساء الجماعات الترابية، ضمن حملة تأديبية موسعة تستهدف “المنتخبين الكبار” المتورطين في خروقات جسيمة. هذه القرارات، التي طالت أقاليم سيدي قاسم وقلعة السراغنة وأزيلال وكلميم وتازة وبركان وسطات والعرائش وخريبكة، تأتي في إطار تطبيق المادة 64 من القانون التنظيمي 14.113، والتي تتيح تعليق مهام الرئيس المعني بمجرد إحالة ملفه على المحكمة الإدارية، ريثما يصدر الحكم النهائي.  

الملفت في هذه الموجة هو غياب أي رئيس جهة عن قوائم العزل، سواء من القدماء أو الجدد، ما أثار تساؤلات حول مدى شمولية الحملة وعدالتها. فبحسب مصادر مطلعة، تستند القرارات إلى تقارير رقابية دقيقة أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات، كشفت عن اختلالات مالية وإدارية خطيرة، تتراوح بين التلاعب في رخص التعمير وإهدار المال العام، إلى سوء تدبير أراضي الجماعات. ولم تتردد الإدارة المركزية لوزارة الداخلية في منح الولاة والعمال الضوء الأخضر لإحالة الملفات على القضاء الإداري، في خطوة تُقرأ كرسالة ردعية قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.  

لكن وراء هذه الإجراءات الصارمة، تكمن أسئلة محرجة: لماذا اقتصرت القرارات على رؤساء جماعات محليين، بينما تتناقل وسائل الإعلام أخبار فساد في مدن كبرى تُباع فيها رخص البناء بملايين الدراهم دون أي متابعة؟ ولماذا يطالب برلمانيون بعدم انتقائية المعالجة، في إشارة إلى وجود “مناطق محرمة” تفلت من العقاب؟  

التسريبات تشير إلى أن لائحة العزل لم تُغلق بعد، إذ تنتظر المفتشية العامة إتمام نحو 20 مهمة تفتيشية إضافية، ما يعني أن المزيد من الرؤساء، خاصة في الجماعات القروية التي تعاني من انتشار “الفساد المهول”، قد يواجهون المصير نفسه. أسماء مثل رئيس مجلس سيدي قاسم ورئيسي جماعتين بشيشاوة ورئيس القصر الكبير والمكرن تتردد بقوة في قوائم الانتظار، حيث تُعتبر ملفاتهم “جاهزة للإحالة”.  

في المقابل، يرى مراقبون أن هذه الحملة، رغم جرأتها، تبقى مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الإصلاحات المطلوبة لضبط الحكامة الترابية. فغياب محاسبة رؤساء المجالس في المدن الكبرى، رغم الفضائح المالية المدوية، يُضعف مصداقية الجهود الرقابية، ويُغذي شكوكًا حول وجود “حسابات سياسية” خلف انتقائية المتابعات. السؤال الأكبر الآن: هل تشكل هذه الموجة بداية حقيقية لمرحلة جديدة من “المحاسبة الشاملة”، أم ستتحول إلى مجرد استثناء يؤكد قاعدة الإفلات من العقاب؟  

الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن ما هو مؤكد أن سيف العزل لم يسقط بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!