13.3 مليار درهم هي الكلفة الخفية لإعفاءات مستوردي الأغنام والأبقار التي لم تُخفِّض أسعار اللحوم!

فضيحة استيراد البهائم في المغرب

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

طرحت ارقام رسمية صادمة تكشف، للمرة الأولى، حجمَ التكلفة الحقيقيةِ التي تحمَّلتها ميزانيةُ الدولةِ جراء الإعفاءات الضريبة الممنوحة لمستوردي الأغنام والأبقار خلال السنوات الأخيرة، في وقت لم تشهد فيه أسواق اللحوم والأضاحي أي تراجع يذكَر في الأسعار، بل ظلَّت أثقالها ترهق كاهلَ المواطنين. فبينما تَصاعدَ الجدل العامُّ حولَ فاعليةِ هذه السياساتِ ومدى استفادةِ الفئاتِ الهشةِ منها، جاءت الوثائق الحكومية لتجيب بـ”ارقام جافة” تكشف حجم التناقض بين الوعود والواقع.

وفقا لوثيقة رسمية حملت عنوان “المعطيات والبيانات الإضافية المطلوبة من طرف الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب”، والتي نُشِرَتْ تفاصيلُها بناءً على طلبِ فريقِ التقدم والاشتراكية خلال مناقشةِ مشروعِ قانونِ ماليةِ 2025، بلغتْ قيمةُ الإعفاءاتِ الضريبيةِ الممنوحةِ لمستوردي الأبقار والأغنام ما يقارب 13.3 مليارَ درهما، بينما استفادَ منها 277 مستوردا. وتوضح الصفحتان 84 و 196 من الوثيقةِ تفاصيلَ هذه الأرقام بشكل مفصل، مبرزة أنَّ الحكومات المتعاقبةَ اعتمدت سلسلةً من الإجراءاتِ منذ أكتوبر 2022، بدعوى “تخفيفِ أزمةِ ارتفاعِ أسعارِ اللحوم”، لكن النتائجَ بقيت بعيدة عن المُتوقَّع.

ففي شق الأبقار، تكبدت الميزانية العامة خسائرَ فاقت 8 ملياراتِ درهم، تمثلت في ايقاف تحصيل رسم الاستيرادِ عن 120 ألفَ رأسٍ من الأبقارِ بين أكتوبر 2022 وديسمبر 2024، بتكلفةٍ بلغت 7.3 ملياراتِ درهم، إضافةً إلى تحمُّل الدولة للضريبةِ على القيمةِ المضافةِ عند الاستيرادِ بقيمةِ 744 مليونَ درهم. أما في ملف الأغنام، فقد تجاوزتِ الخسائر 5 ملياراتِ درهم، شملتْ إعفاءات من رسمِ الاستيراد والضريبة على القيمةِ المضافة، مع تكرار تمديد هذه الإعفاءات حتى نهايةِ 2024، ما اضاف ملايينَ أخرى إلى فاتورة الدعم. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي عيدِ الأضحى لعام 2024، مُوِّلَت ميزانيةُ الدولةِ دعماً جزافياً قدره 500 درهمٍ لكلِّ راس غنم مستورد، ليصلَ إجمالي ما انفق إلى 237 مليونَ درهم.

لكن السؤال الاكثر إلحاحا يظل : اين ذهبت كل هذه المليارات إن كانت أسعار اللحوم لم تشهد استقرار، ناهيكَ عن انخفاضٍ ملموس؟ وكيف سُمِح لـ277 مستورداً بالاستفادة من إعفاءات ضخمة دونَ ضماناتٍ تُلزِمُهم بتعديل الأسعار؟ الوثيقةُ الرسميةُ، رغمَ دقتِها في تفصيلِ الأرقام، تتركُ هذه الأسئلة معلقة في فضاء الشكوك المجتمعية، خاصةً في ظلِّ غياب أليات رقابة حقيقيةٍ على العلاقةِ بين الدعمِ المقدم للمستوردين وأسعار الاستهلاك.

الملفت أن الإعفاءات لم تكن استثنائية أو مؤقتة، بل تحولت إلى سياسة مُتكررة رغمَ فشلِها في تحقيقِ الغايةِ المُعلَنة. فبينما يتحمل المواطن العادي ضريبة القيمةِ المضافةِ على أبسطِ السلع، وتُقتطَع من راتبهِ ضرائب الدخل، تمنح فئة محدودةٌ امتيازاتٍ بملياراتِ الدراهمِ دونَ مبرر واضح. هذه المفارقةُ تدفع إلى التشكيك في أولويات السياسة الاقتصادية، وفي مدى توازنِها بين دعمِ القطاع الخاصِ وحمايةِ الطبقاتِ المتوسطةِ والفقيرة.

لا يبدو أنَّ الأزمةَ اقتصاديةً فحسب، بل هي أزمةُ ثقة بين المواطنِ وصناعِ القرار. فالكلفةُ الباهظةُ لهذه الإعفاءاتِ، الموثقة بأرقامٍ رسمية، تعيد إلى الواجهةِ اشكالية “الشفافيةِ” و”المحاسبةِ”، وتُؤكِّد الحاجةَ إلى مراجعةٍ جذرية لآليات دعمِ القطاعات الحيويةِ، بحيثُ تربط أي إعفاءات أو امتيازاتٍ بالتزاماتٍ صارمةٍ بخفضِ الأسعارِ وضبطِ السوقِ. فالدولةُ لم تَعُدْ قادرة على تحمل فاتورة سياسات تنعش جيوبَ فئة محددة على حساب العدالةِ الاجتماعيةِ، بينما ينتظر المواطن، منذ سنوات، أنْ يرى أثرَ هذه الملياراتِ على مائدتِه اليوميةِ.

ولمزيدٍ من التوضيح والتأكيد، فتفاصيلُ ما قدمته الحكومةُ من إعفاءاتٍ وامتيازاتٍ لمستوردي الأغنام والأبقار، حسب الوثيقة المذكورة لوزارة المالية، هي كالآتي :

خسارة الميزانية العامة بفعل الإعفاءات عن استيراد الأبقار

+ وقف استيفاء رسم الاستيراد المطبَّق على الأبقار الأليفة من 21 أكتوبر 2022 إلى غاية 31 دجنبر 2024 في حدود 120 ألف رأس: كلَّف هذا الإجراء 7.3 مليار درهماً.

+ تحملت الميزانية للدولة الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأبقار، منذ 03 فبراير 2023، وإلى غاية 22 أكتوبر 2024 في حدود 120 ألف رأس، ما قيمته 744 ملايين درهماً.

+ بلغ عددُ المستفيدين من هذه الإعفاءات المتعلقة باستيراد الأبقار 133 مستورداً، ما بين 21 أكتوبر 2022 إلى غاية 22 أكتوبر 2024.

خسارة الميزانية العامة بفعل الإعفاءات عن استيراد الأغنام

+ تحملت الميزانية العامة للدولة رسم استيراد الأغنام، من فبراير 2023 إلى 18 أكتوبر 2024، ما قيمته 3.86 مليار درهماً؛

+ تحملت الميزانية العامة للدولة الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد الأغنام، من 10 فبراير 2023 إلى 18 أكتوبر 2024، ما قيمته 1.16 مليار درهماً.

+ وتم وقف استيفاء رسم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة المطبَّقان على الأغنام، مرة أخرى، من 19 أكتوبر 2024 إلى غاية 31 دجنبر 2024، مما كلَّف ميزانية الدولة 15.7 مليون درهماً و1.6 مليون درهماً، على التوالي.

+ بلغ عددُ المستفيدين من هذه الإعفاءات المتعلقة باستيراد الأغنام 144 مستورداً، ما بين 10 فبراير 2023 إلى غاية 22 أكتوبر 2024.

خسارة الميزانية العامة للدولة برسم الدعم الجزافي عن استيراد الأغنام بمناسبة عيد الأضحى لسنة 2024

+ وصل العدد الإجمالي لرؤوس الأغنام التي تمَّ استيرادُها بمناسبة عيد الأضحى لسنة 2024 إلى 474 ألف و 312 رأساً، استفاد مستوردوها من دعمٍ جزافي قدرهُ 500 درهماً للرأس، مما كلَّف ميزانية الدولة 237 مليون درهماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!