ماذا يجري في المغرب؟

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

ماذا يجري في المغرب؟ سؤال يفرض نفسه بقوة في ظل التحولات التي يشهدها المغرب، والتي تكشف عن خلل عميق في كل شيء. نعيش اليوم واقعًا يمتزج فيه الأمل بالقلق، حيث تتكرر مشاهد تذكرنا بأنظمة شمولية لم يعد لها مكان في عصر الحريات كسنوات الرصاص. خذ على سبيل المثال ما حدث بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وعبد الإله بنكيران، حين هدد الأول الثاني بالسجن لمجرد إنتقاده للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا التهديد ليس مجرد زلة لسان، بل هو دليل على استغلال المنصب لتصفية الحسابات السياسية، وهي ممارسة تناقض كل مبادئ الديمقراطية التي يفترض أن نحتكم إليها.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالتجارب السابقة تؤكد وجود نمط متكرر من القمع. نسترجع هنا قضية الصحفي حميد المهداوي الذي حكم عليه بالسُجن النافد والغرامة معا بسبب منشورات كشف فيها فسادًا يُنسب إلى الوزير نفسه عبر مكتب محاماته. المهداوي قدم ما اعتبره أدلة، لكن القضاء تجاهلها ومضى في محاكمته، في حين ان هناك محاكم تابعت العديد من تورطوا في تهم التشهير بالسراح وحكم عليهم ب”السورسي”. والمثير للدهشة هي الازدواجية في المعايير علما ان القانون واضح ولا إجتهاد مع وجود النص، وهو ما تكرر في قضية الفتاة القاصر وعائلتها. هذا الالتفاف على المؤسسات يثير الشكوك حول مدى الحياد في النظام القضائي، خاصة عندما نلاحظ أن الأشخاص المستهدفين غالبًا هم من يثيرون جدلاً شعبيًا، بينما يتمتع آخرون بحماية واضحة رغم تورطهم المفترض.

وحتى إذا سلمنا جدلاً بوجود تجاوز في حق الملك، فإن الجميع يعلم أن جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، كان دائمًا رحيمًا مع من أخطأ بحقه، فلماذا هذا التشدد مع المواطنين العاديين؟ من يقف وراء هذا النهج؟ الإجابة لا تحتاج إلى كثير تأمل: إنهم الفاسدون ومن يساندهم، هؤلاء الذين نهبوا ثروات البلاد وتركوا الشعب يعاني من ويلات الفقر والتهميش حتى وصلنا لما نحن عليه من خوف. أحزاب مثل التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، وحتى الاستقلال في صورته الحالية، أصبحت واجهة لمصالح رجال الأعمال الذين لا يتوانون عن استغلال المواطنين لزيادة أرباحهم.

لكن السؤال الأعمق هو : كيف انزلقنا إلى هذا الوضع؟ يمكننا أن نرجع ذلك إلى جملة من الأسباب، أولها سياسة “عفا الله عما سلف” التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية. كان الهدف منها تهدئة الأوضاع مع الأحزاب الأخرى، لكنها تحولت إلى بطاقة مرور للفاسدين، حيث أوحت بأن لا أحد سيُحاسب على جرائمه والدليل هو تجميد وسحب قانون الإثراء الغير المشروع. وهكذا، رأينا شخصيات سياسية وغيرهم يستغلون الدين كغطاء لتحقيق مكاسب شخصية، مما ألهم جيلًا جديدًا من المفسدين لا يرهبون العقاب. وبالتالي كان المغرب بحاجة إلى موقف حازم يردع الفساد، لكن بدلاً من ذلك، حصلنا على عزيز أخنوش، الذي أصبح يتصرف كما لو أن البلاد ملكًا له، دون أدنى احترام للمساءلة، ومن هذا الذي يجرأ على محاسبته؟!.

السبب الثاني يكمن في تقصير بعض الأجهزة الأمنية، بل وتواطؤها أحيانًا. فمنهم من أتهم بتسهيل صعود أخنوش عبر دعم عمليات شراء الأصوات، خصوصًا في القرى والمناطق الأمازيغية. هناك أدلة مصورة تظهر أعوان السلطة وهم يحاولون التأثير على الناخبين بمبالغ زهيدة، محاولين تسويق فكرة أن أخنوش يمثل الأمازيغ. لكن الواقع يناقض ذلك، فحتى أهل منطقته رفضوه، وكشفت امرأة في تسجيل مصور كيف حاول مقدم إقناعها بمبلغ لا يتجاوز مئتي درهم. هذه المرأة، التي خبرت استغلال أخنوش لعمال حقوله ومصانعه بأجور هزيلة، تعي جيدًا أن ادعاءه الدفاع عن الأمازيغ مجرد شعار فارغ.

والأشد خطورة هو تشكل “دولة عميقة” بقيادة أخنوش وحلفائه، تسيطر على مفاصل الدولة بما فيها القضاء. هذا الوضع أفرز صراعًا بين رجال الدولة المخلصين (الجيش و الدرك و الشرطة)، الذين قادوا حملات ضد شخصيات فاسدة، وبين هذه القوة الخفية التي تعمل على تقويض الشرعية الوطنية المتمثلة في البيعة بين الملك والشعب. هذه الشرعية التي صنعت تقدم المغرب بفضل تضحيات الشعب، لكن الفاسدين الجدد، الذين أشبههم بالمحميين في زمن الاستعمار، يسعون اليوم للاستقواء بالخارج على حساب الإرادة الشعبية.

فما العمل؟

أولاً، يجب أن يدرك الشعب خطورة المرحلة، فهؤلاء مستعدون لتدمير البلاد إذا شعروا بالتهديد، معتمدين على ثرواتهم المنهوبة المودعة في الخارج وجنسياتهم المزدوجة كمخرج للهروب.

ثانيًا، لا بد من تفكيك هذه الدولة العميقة، كما فعل المغرب سابقًا مع بعض الجماعات المتطرفة، وكما نجح أردوغان في تركيا وترامب في أمريكا في مواجهة الانحرافات الداخلية.

ثالثًا، نحتاج إلى حكومة كفاءات بعيدة عن الأحزاب المقسمة، تُختار من طرف الملك مع توسيع صلاحياته، وأرى أن شخصيات مثل مولاي حفيظ العلمي، باستقلاليته وإنجازاته الصناعية، أو بنكيران، بحضوره الشعبي رغم اختلافي مع حزبه، قد تكون خيارات صائبة.

وأخيرًا، يجب ألا ننسى أن المغرب هدف دائم لقوى خارجية تسعى لزعزعة استقراره، سواء كانت دولاً أو منظمات، مما يستدعي يقظة مستمرة.

فماذا يجري في المغرب؟ المستقبل مرهون بقدرتنا على مواجهة هذه التحديات، حفاظًا على وحدتنا وكرامتنا، قبل أن نفقد كل ما تحقق بجهود أجيال مضت. وعلى الشعب المغربي التجند و الاستعداد لدعم الملكية و الملك والدفاع عنها، وليحيا الملك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!