
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في إقليم بنسليمان، حيث تتعدد المشاكل والتحديات التي تعيق تقدمه وتنميته، نجد أنفسنا اليوم أمام قضية جديدة تتجاوز في خطورتها كل ما اعتدنا مناقشته من قبل. لن نتحدث اليوم عن احتلال الملك العمومي، ولا عن الباعة الجائلين، ولا حتى عن الفوضى التي تعم الطرق والأزقة والأرصفة. بل سنسلط الضوء على ظاهرة أعمق وأشد خطورة، تتمثل في الوحدات الصناعية العشوائية التي تعمل خارج إطار القانون، وتحديداً معمل “الزفت” الواقع على الجانب الأيسر من الطريق الوطنية رقم RN23 في اتجاه بوزنيقة.
هذا المعمل، الذي لا يمكن وصفه بالسري بأي حال من الأحوال، يشكل لغزاً محيراً يثير العديد من الأسئلة. فهو يعمل في وضح النهار، تحت أنظار الجميع، بدءاً من المقدّم والشيخ وصولاً إلى السيد القائد بقيادة عين تيزغة. الجميع على علم بوجوده، ورغم ذلك يبقى السؤال: كيف يستمر في العمل دون ترخيص رسمي؟ وهل يؤدي مستحقات الدولة كالضرائب؟ وما هي وضعية العمال داخله؟ أليس من المفترض أن تتحرك لجنة تفتيش للتحقق من الوثائق الرسمية ومدى التزامه بالمعايير القانونية والبيئية؟

إن استمرار عمل مثل هذه الوحدة الصناعية في ظل هذا الصمت المريب لا يمكن تفسيره إلا من خلال سيناريوهين محتملين. الأول : أن تكون هناك قوة نفوذ كبيرة تقف وراء هذا المعمل، تجعل صاحبه يضرب عرض الحائط بالقانون والسلطة دون خوف أو وجل. والثاني : أن يكون هناك استفادة جماعية لكل الأطراف الصامتة، مما يجعل التغاضي عن هذا الوضع غير القانوني أمراً متعمداً. في كلا الحالتين، نحن أمام فضيحة تكشف حجم الفوضى التي تعشش في إقليم بنسليمان، وتضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة وشفافية الإدارة المحلية.
إننا، كإعلاميين، ندرك جيداً أن دورنا لا يتوقف عند حدود التشخيص وطرح الأسئلة. نحن هنا لنكون صوت المواطن، ولنسلط الضوء على هذه الخروقات التي تهدد ليس فقط النظام العام، بل أيضاً صحة الساكنة وسلامة البيئة. فمعمل “الزفت”، بعمله خارج الأطر القانونية، قد يكون مصدر تلوث خطير أو استغلال غير مشروع للموارد، وربما حتى للعمال الذين يعملون في ظروف مجهولة. لكن، ورغم يقيننا بأن الإجراءات العملية ضد هذا المعمل قد تظل حبراً على ورق لأسباب متعددة، فإننا لن نسكت. سنواصل مناقشة هذا الملف، وسنظل نطرق أبواب المسؤولين، ونرفع الصوت عالياً حتى يظهر من يملك الجرأة والإرادة لإيجاد حل.

إن معمل “الزفت” ليس مجرد وحدة صناعية عشوائية، بل هو رمز لفوضى أكبر تضرب في عمق المسؤولية العامة. وإذا كان القانون لا يطبق على الجميع بالتساوي، فكيف يمكننا أن نطمح إلى بناء إقليم يسوده العدل والتنمية؟ إنها دعوة مفتوحة للسلطات المحلية والجهوية للتدخل العاجل، وإلى كل ذي ضمير حي للمشاركة في كشف الحقيقة وإنهاء هذا العبث. أما نحن، فسنبقى أوفياء لرسالتنا، نرصد وننتقد ونطالب، حتى تُستعاد هيبة القانون وسيادته.