بنسليمان : مدينة السيبة بين غياب الزجر وسيادة الفوضى أو عندما يصبح التسيب هو القانون!

مدينة بنسليمان

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في ظل مشاهد تكرر بوتيرة مقلقة، تتعمق أزمات مدينة “السيبة” بنسليمان، التي باتت نموذجا صارخا للفوضى العارمة والانفلات الذي ينهش جسدها دون رادع. فالتساؤلات التي تطرح اليوم ليست مجرد تحليلات عابرة، بل هي صرخات تعبِر عن واقع مر تتحول فيه السلطة إلى شبح عاجز، بينما تتربع الفوضى على عرشِ المشهد. لم تعد الحوادث المُتفرقة مجرد حالات فردية، بل تحولت إلى سلسلة ممنهجة تجسد انهيارا متسارعا في هيبة المخزن، وتؤكد أن المدينة غرقت في وحل الفوضى، حيث يحمي المُخالفون بعضهم بعضا تحت غطاء أعذار هزيلة تذكرنا بنهايات الأفلام البوليسية الفاشلة.

بالأمس القريب، تعرض الكاتب العام للعمالة والباشا لإهانات لفظية وتهديدات جسدية صارخة بإستعمال السلاح الأبيض، في واقعة لم تكن مفاجئة بقدرِ ما كانت تأكيدا على أنَّ أحدا لم يعد في مأمن من عبث العابثين. الغريب في الأمر أن السلطات لم تحرك ساكنا، بل ظهر من يبرر هذه الأفعال ويختلق تبريرات واهية عن “مرضٍ نفسي” يفترض انه يغلف تصرفات المُعتدين. وهل يعقل أنْ يكون كلُّ من اعتدى على رموز السلطة في المدينة مصابا باضطراباتٍ نفسية؟ أم أن الأمر تحول إلى ورقة يلجأ إليها لتفادي المحاسبة واستباحة القانون؟

لم تكن حادثة الاعتداء على الباشا والكاتب العامِ هي الوحيدة، بل تلتها اعتداءات أخرى تؤكد أن المدينةَ فقدت بوصلةَ الأمان. ففي يومِ أمس الاثنين، تعرض طبيب يعمل في قسمِ المستعجلات بالمستشفى الإقليمي للاعتداء لفظي واهانات، دون أن تسفر التحقيقات عن أي خطوات جادة لوقف هذا النزيف. ولم تمر ساعات حتى وقع اعتداء ثالث، هذه المرة على عونين من أعوان السلطة المحلية بالملحقة الإدارية الثالثة، حيث تعرض أحدهما لكسر في يده بعد تدخلهما لمعاينة مخالفةِ بناء. المفارقةُ أن المُخالفين لم يترددوا في استخدام شتى أشكال العنف اللفظي و الجسدي ضد من يفترض أنهم حماة القانون، وكأن المدينةَ تحولت إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحساباتِ مع أي محاولة لفرضِ النظام. وبالفعل فلم تتم معاقبة المعتدين ولم يتم دعم عوني السلطة مما قد يفقد أعوان السلطة نشاطهم ويتراجعون عن تنفيذ القانون ما دام لا يوجد من يدعمهم وينتزع حقوقهم ممن اعتدوا عليهم.

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح : هل يعقل أن تكون سلسلةُ الاعتداءاتِ المتكررة على أفراد السلطة والمهنيين مجرد صدفة ترافقها أمراض نفسية مفاجئة؟ أم أن ثمة استهتارا متعمدا يستند إلى ثقافة الإفلات من العقاب، التي تغذت على صمت المسؤولين وتراخي الجهاتِ المعنية؟ الواضح أن مدينة “السيبة” بنسليمان تتحول إلى نموذج خطير يلخص أزمة الثقة بين المواطن والدولة، حيث يشعر الجميع بأن القانون بات حبرا على ورق، وأن الفوضى هي الحكم الفعلي.

ففي خضمِ هذا المشهد الكابوسي، يصبح الخوف مبررا من أن تتفاقم الامور وتخرج عن السيطرة، لاسيما مع استمرار ثقافة التحدي العلني ضد رموز السلطة. فهل سنَصل إلى يومٍ نسمع فيه عن اعتداء على عناصرِ القوات المساعدة أو الشرطة، في ظل تراجع هيبة الدولة وانتشار ثقافة “لي دوا يرعف”؟ السؤال مرعب، لكن الوقائع تثبت أن كل شيء بات ممكنا في مدينة تسقط فيها هيبة المخزن تدريجيا، بينما تعلو فيها أصوات المعتدين الذين يجدون في “المرضِ النفسي” مظلة واقية من أي محاسبة. فإلى متى سيستمر هذا الصمت الرسمي؟ وهل سيُدرك المسؤولون حجم الكارثة قبل أن تتحول مدينة “السيبة” إلى مثال يدرس في انهيار القانون؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!