
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب الحكمة الشعبية المغربية، يتردد مثلٌ قديم يُحذر من عواقب الإصلاح المُتسرع الذي يُهدم أكثر مما يُبنى : “لي حرثوا الجمل دكوا”، أي أن من حاولوا حرث “الجمل” في إشارة إلى المهمة المستحيلة دمرّوه بدل إصلاحه. اليوم، يجد هذا المثل صداه المرير في مدينة بنسليمان، التي تُحاك حولها عملياتٌ تنمويةٌ تبدو للوهلة الأولى طموحة، لكنها تتحول تحت السطح إلى شاحناتٍ ثقيلةٍ تُدمر طرقاتها، وبنيتها التحتية، وحتى سلامة سكانها، في سباقٍ محمومٍ نحو استضافة كأس العالم 2030.

فمع انطلاق أشغال بناء ملعب الحسن الثاني في جماعة المنصورية، والذي يُتوقع أن يصبح أحد أكبر الملاعب العالمية استعداداً لاستضافة المغرب لمنافسات كأس العالم، انفجرت المقالع المحيطة بالمدينة نشاطاً غير مسبوق. عشرات الشركات تعمل على مدار الساعة لاستخراج المواد الخام اللازمة للبناء، فيما تُحلق فوق المشهد أرباحٌ ماليةٌ ضخمةٌ تَغيب عن حساباتها كلفةٌ أخرى وأعني كلفة تدمير مدينة بأكملها.

فقد تحولت شوارع بنسليمان التي تفتقر إلى طريق مدارية (طريق التفافية) إلى ممرٍ إجباري لأكثر من ألف شاحنة يومياً من الحجم الثقيل، محملةً بعشرات الأطنان من المواد المستخرجة، غالباً بما يفوق الحمولة القانونية المسموح بها. هذه الشاحنات، التي تَخرق قوانين الحمولة دون رقابة حقيقية، لم تعد مجرد مصدر إزعاجٍ للسكان، بل باتت قنابل موقوتة تهدد البنية التحتية الهشة أساساً للمدينة التي تغيب عنها التنمية أصلا.

حيث تتحدث الأرقام الرسمية عن تدهورٍ سريعٍ في حالة الطرقات شارع الجيش الملكي نموذجا، حيث تُسبب الحمولات الزائدة في تشققاتٍ عميقةٍ وحفرٍ كبيرةٍ، بينما تُحذر تقارير هندسية من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تدمير كامل للطرق الرئيسية خلال أربع سنوات، أي مع اكتمال بناء الملعب نفسه. المفارقة المُرّة هنا أن المدينة التي يُفترض أن تُضاء أسماؤها عالمياً بفضل استضافتها حدثاً رياضياً تاريخياً، قد تتحول إلى أطلالٍ من الشوارع المُنهارة، والمجاري المفتوحة، وانعدام الأمان للمشاة والسائقين على حد سواء. ناهيك عن تحول المدينة الى موقف لهذه الشاحنات بدون حسيب و لا رقيب.

وليس تدمير الطرقات سوى جزءٍ من الكارثة، فحركة الشاحنات المُكثفة ترفع نسب التلوث البيئي والصوتي إلى مستويات خطيرة، كما تُهدد سلامة المدارس والمناطق السكنية المحاذية للطرق، حيث سُجلت مؤخراً حوادثُ دهسٍ عدة ناجمة عن عدم تحكم السائقين في الشاحنات المُثقلة بأطنانٍ تفوق طاقة الطريق.

فمنذ سنوات، أُدرج مشروع بناء طريق مدارية لمدينة بنسليمان في خطط وزارة التجهيز والماء، بهدف تحويل حركة الشاحنات الثقيلة بعيداً عن المركز الحضري للمدينة. لكن مع تسارع وتيرة بناء الملعب، ظلت هذه الطريق حبراً على ورق، بينما تُبرر الجهات المعطلة للمشروع بتحدياتٍ لوجستيةٍ أو ماليةٍ. في المقابل، يرى مراقبون أن التأخير المتعمد في تنفيذ المشروع يُخفي وراءه صراعاتٍ بين مصالح الشركات المستفيدة من استمرار الوضع الحالي، ورغبة الإدارة في اختصار الوقت عبر تجاهل كلفة الأضرار الجانبية.

ففي ضوء هذا الوضع، يتحتم على وزارة التجهيز والماء التدخل العاجل قبل فوات الأوان. فالمدينة لا تتحمل انتظار انتهاء أشغال الملعب لتبدأ بإصلاح ما دُمّر، خاصةً أن الشريط الزمني الحالي ينذر بانهيار شامل للبنية التحتية مع حلول 2030، وهو ما سيجعل من “الاستثمار العملاق” في الملعب استثماراً متناقضاً، فكيف تُستضيف العالم في منشأةٍ رياضيةٍ فاخرةٍ، بينما تُحاصرها مدينةٌ مكسورةُ الطرقات، مكتظةٌ بالشاحنات، ومليئةٌ بندوب الإهمال؟
فالمثل الشعبي الذي عنونا به الموضوع يلخص مأساة مدينة “السيبة” بنسليمان. فمحاولة “حرث الجمل” عبر بناء ملعب عملاق، تتحول إلى عملية “دكّه” للمدينة نفسها. لأنها معادلة تنموية خاسرة إذا لم توازن بين الطموح الكبير وضرورة حماية الأساس. فالوزارة المعنية أمام اختبارٍ حقيقي، إما الإسراع ببناء الطريق المدارية لإنقاذ ما تبقى من المدينة، أو تحمل مسؤولية دمار سينتظر العالم على أبواب ملعب يروج للجمال، بينما خارجه تدفن مدينةٌ تحت أنقاض الفساد والإهمال.
لمشاهدة هذه الكارثة التي تهدد مدينة بنسليمان المرجو الضغط هنا.