
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مشهدٍ يختزل مفارقةً صارخةً بين واقع المدينة المُنهَك تحت وطأة الفوضى، وبين صمت الجهات المعنية عن أداء دورها، رصدت عدسة “مواطني نيوز” قطيعاً من الأغنام يزيد عدده عن 60 رأساً، يرعاه راعيان في قلب مدينة “السيبة” بنسليمان، وعلى مرمى حجر من مقر الباشوية وبجوار مقر إقامة عامل الإقليم. المشهد الذي بدا للوهلة الأولى وكأنه خارجة من رواية رمزية، تحوّل إلى إشارةٍ صادمةٍ تفضح حجم التدهور الذي تعيشه المدينة، وتكشف عن سؤالٍ جوهري، مَن يحمي هذه المدينة إن كان راعي الأغنام يجد في أرصفتها وحدائقها وأمام مؤسساتها الرسمية مرعىً آمناً؟!
فبعد منتصف نهار يومه الجمعة، تحوّل مركز مدينة “السيبة” إلى مسرحٍ لمشهدٍ غريب، قطيعٌ من الأغنام ينتشر بلا حواجز، يرعاه راعيان بين السيارات المتوقفة والمشاة الذين حاولوا تفادي التصادم مع الحيوانات، فيما بدا وكأنه استعراضٌ صامتٌ لـ”السيبة الممنهجة” التي تُنهش جسد المدينة. اللافت أن المشهد لم يكن عابراً، بل امتد لساعات، دون علم السلطات المحلية وبصرها طبعا، وكأن أصحاب القطيع يوجّهون رسالةً مفادها “هنا حيث تغيب السلطة، تصبح أرصفة وحدائق مدينة بنسليمان مراعي مفتوحة!”.
مدينة “السيبة” ليست غريبة عن مشاهد الفوضى، فمنذ مدة ليست بالبعيدة وتحديدا مع ولاية هذا المجلس الجماعي و الولاية السابقة، تحوّلت إلى واجهةٍ للانفلات في كل شيء من انتشار الباعة المتجولين في كل زاوية، إلى تكدس النفايات، وانهيار البنية التحتية، وصولاً إلى غياب أبسط مقومات المحاسبة والمراقبة. لكن مشهد الأغنام في قلب مركز المدينة يرفع مستوى الاستفهامات إلى درجةٍ غير مسبوقة. فكيف يُسمح بتحويل الشوارع إلى حظائر؟ وأين دور شرطة الادارية وأعين أعوان السلطة التي لا تنام في منع هذه التجاوزات التي تمس بسلامة المواطنين والصورة العامة للمدينة؟

فالمشهد لا يخلوا من رمزيةٍ قاسية؛ فبينما كان الراعيان يُنظّمان حركة قطيعهما بعصاهما، دون كللٍ أو تشتت، كان المواطنون يتساءلون:ث، أين “عصا السلطة” التي يفترض أن تردع مثل هذه التجاوزات؟ وأين دور “الرعاة” الحقيقيين للمدينة؟! السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، هل وصلت رسالة أصحاب الأغنام إلى الجهات المعنية، أم أن الفوضى صارت نظاماً مُعلناً لا تحركه أي مبادرات؟
ففي الوقت الذي تنتظر فيه المدينة خطواتٍ جادّةً لاستعادة هيبتها، يبدو أن المواطن العادي هو من يدفع فاتورة الفوضى المتفاقمة. فبالإضافة إلى المخاطر الصحية الناتجة عن تواجد الحيوانات في المناطق الحضرية، تتعرض سمعة المدينة كوجهةٍ استثماريةٍ أو سياحيةٍ وقبلة لمنافسات رياضية عالمية للانهيار. لكن يبدو أن أصحاب القرار ما زالوا يدرسون “الإجراءات القانونية”. عبارةٌ مطاطيةٌ تكرّس ثقافة “التأجيل” و”التسويف” التي أوصلت “السيبة” إلى ما هي عليه اليوم.
مشهد الأغنام في قلب مدينة “السيبة” بنسليمان ليس مجرد حادثةٍ عابرةٍ تُضاف إلى سجل الفوضى، بل هو جرس إنذارٍ يدقّ بقوة، فإما أن تفيق السلطات المعنية من سباتها وتعيد رسم خريطة الأولويات، وإما أن تتحوّل المدينة بالكامل إلى “مرعى مفتوح” للفوضى، حيث لا قانون يُحترم، ولا سلطة تُهاب (واقعة الحي الحسني) نموذجا. فهل ستبقى “السيبة” نموذجاً للانفلات، أم ستصبح مثالاً على قدرة الإرادة السياسية على إعادة الأمل؟!
إلى من يهمه الأمر المدينة تُنازع، وحياة المواطن ليست رهاناً! وإذا كان لقطيع الأغنام من يحرسها فمن يحرس هذه المدينة؟!