
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في خضمّ الموجة التحديثية التي تجتاح المغرب، حيث تتنافس المدن على خطط التنمية وتتسابق المجالس المحلية لإنجاز المشاريع، يبرز إقليم بنسليمان – وبالأخص مدينة “السيبة” – كنموذج صارخ لانفصال الإرادة السياسية عن واقع المواطنين. بينما تتحول باقي الأقاليم إلى ورشات مفتوحة، تسير مدينة “السيبة” بنسليمان عكس التيار، غارقة في فوضى تُختزل فيها إخفاقات الحكم المحلي، وتتجلى فيها أزمات المساءلة والشفافية.
ولا يمكن الحديث عن بنسليمان دون استحضار “فضيحة المسبح” التي تحوّلت إلى أيقونة للعجز. المشروع الذي سُلِّم للمجلس الجماعي على “طبق من ذهب”، وفق توصيف الساكنة، تحوّل إلى ركام من الإهمال. لم يفتح أبوابه رغم مرور سنوات، ليس بسبب نقص التمويل، بل بسبب فشل ذريع في التخطيط والتنفيذ، ما يطرح تساؤلات عن مصير المال العام الذي أُهدر دون محاسبة. هذا المشروع ليس استثناءً، بل جزء من سلسلة مشاريع معلّقة تروي حكاية مجلس جماعي غارق في تحقيقات “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية” حول ملفات فساد، بدلًا من أن يكون غارقًا في ملفات التنمية.
ففي الوقت الذي تُشدّد فيه الدولة على ضرورة تعزيز الأمن والحوكمة المحلية، يُفاجأ سكّان مدينة “السيبة” بغياب أبسط مقوّمات النظام كالشرطة الإدارية. فمجلس المدينة لم يُكّونها الا يومنا هذا، والسلطة المحلية تُفضّل توظيف هذا الغياب لتنصل من مسؤولياتها لإغراق المدينة في الفوضى. والنتيجة؟ شوارع مُحتلّة من الباعة العشوائيين، محطات طرقية وأسواق عشوائية تنتشر كالفطر، وإهدار صارخ للقانون تحت سمع المسؤولين وبصرهم.
“نصرخ ولا من مجيب”، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وإستنجادنا بالسلطة المحلية تحوّل إلى صدى في غرفة مغلقة. حتى اللجان التفتيشية التي زارت الجماعة، غادرت دون إجابات واضحة عن سبب تعطيل المشاريع، فيما يبدو أن “السلطة المحلية” تعتبر المدينة منطقة رمادية خارج نطاق أولوياتها ومن أراد معرفة صدق كلامنا فما عليه سوى القيام بجولة بالمدينة، وأتحداه أن يعطيني مكان واحد غير محتل.
المفارقة المؤلمة أن ملفات الفساد التي تطول أعضاء المجلس الجماعي – والتي تؤكدها تحقيقات الفرقة الوطنية – لم تدفع إلى حل المجلس أو إجراء انتخابات استثنائية، بل تُرك الأمر يستفحل. هذا الصمت الرسمي يُغذي شكوكًا حول وجود “تواطؤ مقنّع” بين بعض الأطراف، خاصة مع استمرار تدهور الخدمات رغم توفر الاعتمادات المالية.
بينما تُحْشَدُ الخطابات الرسمية بالحديث عن “المغرب الجديد”، تبدو بنسليمان كجرح ينزف في جسد التنمية. لنجدنا أمام سؤال يفرض نفسه : هل يحتاج الأمر إلى كارثة إنسانية لتحريك المياه الراكدة؟ أم أن المدينة ستظل رهينة صراعات المصالح وغياب الرؤية؟
إن المواطنون هنا لم يعودوا يطلبون مشاريع تنموية، بل يطالبون بـ”مجلس يخاف الله والوطن والملك”، و”سلطة محلية تتحمل مسؤوليتها”. فهل من مُجيب؟
وللحديث بقية…