
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في عالم السياسة حيث تُنسج الخطط خلف ستار التصريحات المثيرة، يبرز دونالد ترامب مرة أخرى بلعبة قد تكون الأكثر جرأة في مسيرته: إشعال النار في قضية غزة بإدلاء تصريحاتٍ يُكذِّبها الواقع، بينما تُخفي خلفها صفقةً أكبر مع أطرافٍ تملك الملايين. فهل تحوَّلت التصريحات عن “مستقبل غزة” إلى قنبلة دخانٍ لتسهيل ضم الضفة الغربية؟ وهل يُنفذ ترامب وعده للأرملة الصهيونية ميريام أديلسون، التي ضخت 100 مليون دولار في حملته الانتخابية مقابل وعدٍ تاريخي؟ الأسئلة تُلاحق الرجل الذي حوَّل السياسة إلى سوق صفقات، والوعود إلى عملة يتاجر بها.
تبدأ القصة من الداخل الأمريكي، حيث تُشن حرب غير معلنة بقيادة ترامب وحليفه إيلون ماسك، الذي تحوَّل من رمزٍ للابتكار إلى شريك في خطط “تفكيك الدولة العميقة”. تقارير تتحدث عن إقالة آلاف الموظفين، بينهم أسماء كبيرة في أجهزة الاستخبارات والدوائر الحكومية، في عملية يُوصف بعضها بأنها “تطهير” لخلق دولة جديدة تُحاكي رؤية ترامب. لكن هذه الحرب الداخلية، رغم خطورتها، تبدو مجرد تمهيد لمعركةٍ خارجية أخطر: لعبة الشطرنج مع الشرق الأوسط.
ففي الجانب الآخر من المشهد، تقف ميريام أديلسون، الأرملة الثرية لمالك إمبراطورية القمار “لاس فيغاس ساندز”، والتي لا تُخفي انتماءها الصهيوني المتطرف. العلاقة بينها وترامب ليست جديدة: ففي 2016، دفعت 75 مليون دولار كـ”فاتورة” لصفقة اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وهو ما نفذه ببرودٍ أثار عاصفة دولية. اليوم، يتكرر السيناريو مع ضخ 100 مليون دولار جديدة، لكن هذه المرة مقابل ضم الضفة الغربية. السؤال الذي يطرح نفسه: هل يُكرر ترامب اللعبة ذاتها، مستفيدًا من ضجيج غزة لإخفاء الصفقة الحقيقية؟
اللافت أن ترامب، وخلال الأيام الماضية، أطلق تصريحاتٍ متناقضة عن غزة؛ وصفها مراقبون بأنها “خيالٌ غير قابل للتطبيق”، فيما رأى فيها آخرون محاولةً لاختبار ردود الفعل العربية والدولية. لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو إشارته الأخيرة إلى أن “إسرائيل دولة صغيرة”، وهي العبارة التي يُفسرها محللون كرسالة مبطنة لشرعنة توسعها. هنا تتدخل نظرية “قنبلة الدخان”: فبينما ينشغل العالم بإدانة تصريحات غزة، قد يُمرر ترامب صفقة الضفة الغربية تحت الطاولة، تمامًا كما فعل مع القدس.

المعضلة أن ترامب، المعروف بمهارته في تحويل الأزمات إلى فرص، يبدو مدركًا أن الضجة الإعلامية حول غزة ستخفت تدريجياً، بينما يبقى قرار الضم قادرًا على تغيير خريطة المنطقة إلى الأبد. فالقانون الدولي يُجرم ضم الأراضي المحتلة، لكن تاريخ ترامب مع الاتفاقيات الدولية يشير إلى أنه قد لا يهتم بالعواقب، خاصةً مع وجود دعم مالي وسياسي من اللوبي الصهيوني. والأهم: وجود أديلسون، التي تحولت أموالها إلى ورقة ضغطٍ لا يُستهان بها في الحملات الانتخابية.
لكن ما الذي قد يمنعه؟ ربما التوقيت. فترامب، الذي يخوض معركة انتخابية شرسة، يحتاج إلى تحقيق انتصارٍ سريع يرفع شعبيته. هنا قد تكون غزة مجرد ورقةٌ مؤقتة لتحريك المشاعر، بينما يُحضّر لضربةٍ أكبر في الضفة الغربية، معتمدًا على أن المجتمع الدولي، المُثقَل بأزمات أخرى، لن يُقدم إلا على استنكاراتٍ روتينية. حتى الدول العربية، التي يزداد انقسامها، قد لا تجد قضية الضفة الغربية حاضرةً في أجندتها كما كانت قبل سنوات.
في الخلفية، تلوح شخصية إيلون ماسك، الذي يُشتبه في تحالفه مع ترامب ليس فقط لـ”تفكيك الدولة الأمريكية”، بل أيضًا لدعم أجندته الخارجية. فماسك، بسيطرته على منصات التواصل وشركات التكنولوجيا العملاقة، قادرٌ على توجيه الرأي العام نحو قضايا تُلهي عن الأخرى. قد لا يكون من قبيل الصدفة أن تتصاعد التصريحات عن غزة بالتزامن مع تقارير عن مفاوضات سرية حول الضفة الغربية.
السيناريو الأسوأ، وفقًا لمحللين، هو أن يُعلن ترامب ضم الضفة الغربية قبل أشهرٍ من الانتخابات، كـ”هدية” لليمين الأمريكي والصهيوني، ثم يلتفت إلى غزة كقضيةٍ ثانوية يمكن تسويتها عبر “صفقة قرن جديدة”. لكن السيناريو الأكثر واقعية هو أن تظل الضفة الغربية حلقة في سلسلة الوعود الانتخابية، التي قد تتبخر كما حدث مع وعود سابقة، ما لم تكن أديلسون قد دفعت “الفاتورة مقدمًا”.
يبدو المشهد وكأنه فيلمٌ سياسي مثير تدور أحداثه حول مليارديرة صهيونية تشتري قرارًا تاريخيًا بأموال القمار، ورئيسٌ سابق يخوض معاركه بواسطة التصريحات المثيرة، ودولةٌ محتلة تنتظر ضمًّا قد يُعيد رسم مصيرها. أما السؤال الأكبر، هل انتبه العالم إلى الخدعة، أم أن دخان غزة قد حجب الرؤية بالفعل؟ الجواب قد يأتي قريبًا، حين تُكشف أوراق ترامب الأخيرة…أو حين تعلن أديلسون عن فوزها في «مقامرة الضفة».