
المصطفى الجوي – موطني نيوز
إذا كانت المدن تُقاس بمدى احترامها للقانون ونظامها الحضري، فإن مدينة “السيبة” بنسليمان تشهد انهياراً مريعاً في كليهما. ما كُنَّا نُحذِّر منه في السابق لم يعد مجرد تنبؤ، بل تحوّل إلى واقع مُعاش تُجسِّده الشوارع المُهملة، والأحياء العشوائية، وسلطة غائبة تُقرّ بفشلها دون حَراك. هنا، حيث تتحكّم الفوضى في مفاصل المدينة، يصبح السؤال مشروعاً أين المسؤول؟ وأين القانون؟

ففي مدينة العجائب و المتناقضات لا تحتاج إلى أكثر من جولة على سبيل المثال للحصر في زنقة “بئر أنزران” أو شارع “الحسن الثاني” لتفهم حجم الكارثة. فالشوارع التي يفترض أن تكون وجهةً للتنظيم والخدمات، تحوّلت إلى ساحةٍ للفوضى “الخلّاقة”، حيث تسير الدواب والبهائم الشاردة بحريةٍ تُذكِّرنا بقرى نائية، لا بمدينة يفترض أنها جزء من حضارة القرن الحادي والعشرين والتي ستستقبل تظاهرات عالمية وقارية. الصور التي التقطتها عدساتنا ليست سوى غيضٍ من فيضٍ من الفوضى التي تلفُّ المدينة كالإعصار.

أما ظاهرة المحلات العشوائية غير المرخصة والتي سبق وتحدثنا عنها، فهي الوجه الآخر للأزمة. فمن محالّ تصِلح السيارات على الأرصفة، إلى مقاهٍ تفتح أبوابها حتى ساعات الفجر الأولى، كلها تعمل دون رخصةٍ أو رقابة، وكأن المدينة تحكمها “قوانين الغاب”. السؤال الذي يُطارد السكان: أي سلطة هذه التي تسمح بتحويل الفضاء العام إلى سوقٍ عشوائي، حيث تُنتهك الحقوق وتُهمَل المسؤوليات؟

اللافت في مشهد مدينة السيبة بإمتياز هو غياب أي مؤشرٍ على تدخُّل السلطات. فالفوضى لا تُحارب بالصمت، ولا تُصلح الأمور بالتغاضي. بل يبدو أن منطق “دعهم يفعلون ما يشاؤون” هو السائد، حتى تحوّلت المدينة إلى مختبرٍ للفشل الإداري. هل يعقل أن تصل الحال إلى حدّ إطلاق لقب “الدوار النائي” على مدينةٍ يفترض أنها جزء من جهةٍ حضرية؟وعاصمة للإقليم ومحط جميع المصالح الوطنية.

لهذا نقول أن السيبة في بنسليمان لم تعد تحتمل الانتظار. فالصور المؤلمة التي ننشرها اليوم سوى شرارة لإشعال النقاش حول مستقبل مدينةٍ تئنُّ تحت وطأة الإهمال. إن كانت السلطات جادةً في إثبات وجودها، فليُسرعوا قبل أن تتحوّل المدينة إلى أسطورةٍ تُروى عن “مكانٍ لم تكن فيه سلطة”. أما إن استمر الصمت، فستكون الفوضى هي الحاكم الوحيد…ولن نَسكت. فالقصة لم تنتهِ بعد، وللحديث بقيّة.
وما خفي أعظم…

