بنسليمان : أزمة المتابعات القضائية تُعطل المجلس الجماعي وانسحابات سياسية ومخاوف من “إفلاس”

محمد أجديرة رئيس جماعة بنسليمان

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

تحوّل المجلس الجماعي لبنسليمان، خلال دورة فبراير التي تم عقدها عشية يومه الثلاثاء 4 فبراير الجاري، إلى مسرح لأزمة متعددة الأوجه، تختزل تراجع الثقة بين مكوناته وتصاعد المخاوف من تبعات القرارات التي قد تُعرض أعضاءه للمساءلة القانونية. فالمشهد بدأ بحدثٍ أثار حيرة الحاضرين ودلك بانسحاب رئيس المجلس بعد حضورٍ لم يتجاوز عشر دقائق، تاركًا وراءه سيلًا من التساؤلات عن دوافع هذا القرار المفاجئ، خاصةً أنه لم يُشارك في التصويت على أي من النقاط التي أدرجها هو نفسه في جدول الأعمال. فهل كان الانسحاب محاولةً للتهرب من مسؤولية قراراتٍ قد تزيد الأزمات القانونية للمجلس تفاقمًا؟ أم أنه اعترافٌ ضمني بعدم القدرة على إدارة ملفات شائكة تسببت في تفكك الأغلبية وتراجع الشرعية السياسية للمجلس؟

لم تكن ملابسات انسحاب الرئيس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. فخلال النقاشات، كشفت مداخلات المستشارين عن مخاوف عميقة من طبيعة النقاط المطروحة للتصويت، والتي وُصفت بـ”الملغومة” بسبب ما تنطوي عليه من إشكالات عقارية ومالية قد تعرّض المصوتين عليها للمتابعة القضائية. كمثالٍ على ذلك، أُثيرت تحفظات حول مشروع “ملاعب القرب” الذي يُحاكي احتياجات اجتماعية ملحة، لكنه يُناقش دون دراسات جدوى واضحة، فيما شكلت نقطة نقل مشتل الجماعة إلى أرض تفتقر للشرعية العقارية، ما قد يحوّله من مشروع تنموي إلى قضية إدارية تثقل كاهل المستشارين.

الأزمة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت تتويجًا لتراكماتٍ سبق أن وضعت المجلس في مواجهة مباشرة مع الجهات القضائية. فبحسب تصريحات مستشارين خلال الجلسة، فإن 33 عضوًا يواجهون حاليًّا تحقيقاتٍ من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، على خلفية تصويت سابق على إعفاء ضريبي لمشروع عقاري، تمت الموافقة عليه دون أن يطّلع الأعضاء على تفاصيل الوثيقة الرسمية المقدمة من وزارة الداخلية انداك. مرددين “كيف نُصادق على نقاطٍ قد تتحول غدًا إلى قضايا تُهدد حريتنا؟”، في إشارةٍ إلى أن الثقة بين الأعضاء والإدارة باتت في أدنى مستوياتها.

كما أن غياب الأغلبية عن الدورة بالكامل كان العامل الحاسم في تعطيل كل النقاط المدرجة بجدول أعمال دورة فبراير، حيث أفقد الجلسة النصاب القانوني. بعض المراقبون يرون في هذا الغياب إستراتيجية متعمدة من قِبل الأغلبية لتجنب تحمّل تبعات التصويت على قراراتٍ مثيرة للجدل، في ظلّ تزايد الضغوطات القضائية. لكن هذا التكتيك يحمل دلالاتٍ أخطر، فغياب الأغلبية ليس مجرد احتجاجٍ رمزي، بل هو مؤشر على انهيار التحالف الحاكم ذاته، وانزياح الأعضاء عن دعم رئيسٍ لم يعودوا يثقون في قراراته أو في قدرته على حمايتهم من الملاحقات القانونية.

والنتيجة الأكثر إثارة للقلق هي اقتراب المجلس الجماعي من حالة يُطلق عليها بعض المستشارين تسمية “الإفلاس المؤسسي”، حيث لم يعد القرار الجماعي ممكنًا في ظل تفكك التحالفات وتصاعد الاتهامات المتبادلة. فبينما يحاول كل طرفٍ تنحية المسؤولية عن كاهله، تتجمد المشاريع التنموية بالمدينة، وتتراجع الخدمات، ويصبح المواطن هو الضحية الأولى لصراعاتٍ سياسية وقانونية لا يعرف تفاصيلها ومداها إلا الله وحده.

لكن المفارقة تكمن في أن هذه الأزمة تطرح أسئلةً أكبر عن جدوى الآليات الرقابية الحالية. فإذا كانت المتابعات القضائية ضروريةً لضمان الشفافية، إلا أنها – في حالة جماعة بنسليمان – تحوّلت إلى سلاحٍ ذي حدين، أعادت رسم خريطة التحالفات السياسية بعيدًا عن المصلحة العامة، ودفعت الأعضاء إلى الانكفاء خوفًا من المحاسبة، ما أدى إلى شللٍ في العمل المؤسسي. فهل الحل هو المزيد من التضييق القضائي؟ أم أن النظام برمته يحتاج إلى إصلاحٍ يضمن توازنًا بين الرقابة وضمان استمرارية العمل عموما؟

فبعد كل ما تم طرحه تلوح أزمةٌ أعمق تتعلق بثقافة التدبير داخل جماعة بنسليمان. لأن غياب الشفافية في صياغة النقاط، وإقحام المستشارين في تصويتاتٍ لا يفهمون أبعادها، وإدارة الجلسات بأساليب تُعطي الأولوية للتوازنات السياسية على حساب المصلحة العامة، كلها عوامل تُغذي حالة الانهيار. واليوم ما حدث في دورة جماعة بنسليمان ليس مجرد “عرض” لخلافاتٍ مؤقتة، بل هو اختبارٌ حقيقي لقدرة الجماعة على تجاوز ثقافة المحسوبية والارتجال، نحو نموذجٍ تشاركي يحوّل المجلس الجماعي من حلبة صراع إلى فضاء للحوكمة الفعلية.

اليوم، بينما يُراوح المجلس الجماعي لبنسليمان مكانه تحت وطأة التخوفات القانونية وتداعيات الشلل الإداري، يبدو أن إنقاذه يتطلب أكثر من مجرد حلول ترقيعية. الأمر يحتاج إلى مصالحةٍ بين مطلب المحاسبة ومتطلبات العمل الجماعي، وإلى إعادة بناء الثقة عبر خطواتٍ عملية كتفعيل آليات الرقابة الداخلية، وضمان الشفافية في صياغة القرارات، وإشراك جميع الأطراف في نقاشاتٍ تستبق التصويتَ على النقاط “الملغومة”. فبدون ذلك، ستبقى جماعة بنسليمان نموذجًا لمأسسة الفوضى، حيث يُدفع المواطن ثمن صراعاتٍ لا نهاية لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!