المصطفى الجوي – موطني نيوز
في يوم تاريخي شهدته العاصمة الأمريكية واشنطن، أدى دونالد ترامب اليمين الدستورية ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، في حفل تنصيب مهيب جمع بين الحضور الجماهيري الكثيف والجدل السياسي الحاد. جاء خطاب ترامب الافتتاحي قويًا وحاسمًا، حيث أعلن أن “العمل بدأ الآن”، ووعد بأن تكون هذه الولاية بداية “العصر الذهبي” لأمريكا، مع تأكيده على إعادة البلاد إلى مجدها السابق وترميم هيبة السلطة بعد سنوات من الفوضى التي وصفها بالـ”كارثية”.
من اللحظات الأولى لخطابه، أشار ترامب إلى قضية إعادة الرهائن إلى بيوتهم كأولوية قصوى، مؤكدًا أن إدارته لن تدخر جهدًا في تحقيق هذا الهدف. ثم انتقل إلى الحديث عن رؤيته لمستقبل أمريكا، قائلًا: “تشهدون اليوم بداية العصر الذهبي لأمريكا. سنعيد بلادنا إلى مجدها، وسنعمل على جعل مدننا آمنة مرة أخرى.” هذه العبارات التي حملت طابعًا تفاؤليًا وطموحًا، أثارت حماس أنصاره، لكنها في الوقت نفسه أثارت تساؤلات كثيرة حول كيفية تحقيق هذه الوعود الكبيرة.
ولم يكتفِ ترامب بالحديث عن الرؤية المستقبلية، بل أعلن عن سلسلة من الإجراءات التنفيذية الفورية التي سيوقعها في أول أيام حكمه، مما يعكس سرعة وتيرة العمل التي ينوي تبنيها. ومن أبرز هذه الإجراءات توقيع عفو عن المسجونين في قضايا اقتحام الكونغرس في 6 يناير، وهي خطوة وصفها بأنها “تصحيح للظلم الذي وقع عليهم”. هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعًا، حيث رأى البعض فيها تأييدًا للعنف، بينما اعتبرها آخرون محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
كما أعلن ترامب عن نيته إلغاء قرابة 80 من الأوامر التنفيذية التي أصدرتها إدارة بايدن، واصفًا إياها بـ”المدمرة”، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستكون بداية لإنهاء “البيروقراطية المفرطة” التي أعاقت تقدم البلاد. بالإضافة إلى ذلك، وعد بتوقيع قرارات تنفيذية لتجميد الإجراءات البيروقراطية التي فرضتها إدارة بايدن، معتبرًا أنها كانت عقبة أمام النمو الاقتصادي والازدهار.
وفي خطوة أخرى مثيرة للجدل، أعلن ترامب عن الانسحاب الفوري من اتفاق باريس للمناخ، معتبرًا أن هذا الاتفاق “يضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية”. هذه الخطوة، التي تكرر سيناريو مشابهًا من ولايته الأولى، أثارت انتقادات من دعاة حماية البيئة، الذين رأوا فيها تراجعًا عن الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
ولم تتوقف الإجراءات التنفيذية عند هذا الحد، حيث أعلن ترامب عن إلزام الموظفين الفدراليين بالعودة إلى العمل حضورياً، معتبرًا أن العمل عن بعد “أضعف كفاءة الحكومة”. كما وعد بتوقيع أمر تنفيذي لإنهاء الرقابة التي تفرضها الحكومة الفيدرالية على الشعب الأمريكي، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستضمن “حرية التعبير وحقوق المواطنين”.
وفي سياق انتقاده لإدارة بايدن، لم يتردد ترامب في وصف سياساتها بالـ”فاشلة”، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة. وقال: “بايدن سمح لملايين الأشخاص بالتدفق عبر حدودنا دون رقابة، مما أدى إلى تفاقم أزمات الهجرة والأمن.” وأكد أن إدارته ستتخذ إجراءات صارمة لضبط الحدود وحماية الأمن القومي، وهي خطوة تتوافق مع خطابه السابق الذي ركز دائمًا على قضايا الهجرة والأمن.
ردود الفعل على هذه الإجراءات والتصريحات كانت متباينة. بينما رحب أنصار ترامب بهذه الخطوات واعتبروها “بداية جديدة لأمريكا”، انتقدها المعارضون ووصفوها بأنها “خطيرة وغير مدروسة”. كما أثارت خطوة العفو عن مسجوني اقتحام الكونغرس جدلاً واسعًا، حيث اعتبرها البعض “تأييدًا للعنف”، بينما رأى آخرون أنها محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
يبدو أن ترامب عازم على تنفيذ أجندة طموحة ومثيرة للجدل في ولايته الثانية. بينما يرى مؤيدوه أن هذه الخطوات ستضع أمريكا على طريق العودة إلى المجد، يخشى المعارضون من أن تؤدي هذه السياسات إلى مزيد من الانقسامات والتحديات الداخلية والخارجية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستكون هذه الإجراءات بداية “العصر الذهبي” الذي وعد به ترامب، أم أنها ستفتح الباب أمام فصول جديدة من الجدل والصراع في المشهد السياسي الأمريكي؟ الإجابة ستكشفها الأيام والأشهر القادمة، حيث ستواجه إدارة ترامب اختبارات حقيقية في تنفيذ هذه الوعود الطموحة وسط بيئة سياسية واجتماعية مليئة بالتحديات.