المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مبادرة تشريعية تعكس التزام المملكة بتطوير منظومتها القضائية، أحال مكتب المجلس مشروع القانون رقم 03.23 إلى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات لتعديل وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. ويحمل هذا المشروع في طياته حزمة من الإصلاحات الجوهرية التي تستهدف تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق المتقاضين.
وتتجلى أهمية هذه التعديلات في تكريسها لمبدأ حق الدفاع، حيث تضمن حضور المحامين في كافة مراحل الإجراءات القانونية، مع منحهم صلاحيات واسعة للاطلاع على ملفات القضايا وإعداد دفاع فعال. كما تولي اهتماماً خاصاً بتحسين ظروف الحراسة النظرية عبر وضع ضوابط صارمة تضمن التواصل بين المشتبه بهم ومحاميهم، مع حماية كرامتهم ومنع أي انتهاك لحقوقهم.
ويبرز في هذا المشروع الاهتمام الخاص بفئة الأطفال الأحداث، إذ يؤسس لمنظومة حمائية متكاملة تراعي مصلحتهم الفضلى. ويتجلى ذلك في تعزيز سرية الجلسات الخاصة بهم ووضع آليات مخصصة لإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، مما يعكس وعياً عميقاً بأهمية الرعاية الاجتماعية والنفسية لهذه الفئة الهشة.
وفي مواكبة للتطور التكنولوجي المتسارع، يدخل المشروع تقنيات متقدمة في مجال التحقيق الجنائي، كالبصمة الجينية والتحقيق المالي الموازي، مع تنظيم دقيق لاستخدام الوسائل التكنولوجية في مراقبة الاتصالات وتتبع المواقع. وحرصاً على منع أي تجاوزات، يفرض المشروع رقابة قضائية صارمة على هذه الإجراءات.
ويتجه المشروع نحو ترشيد استخدام الاعتقال الاحتياطي من خلال تبني بدائل قانونية وتنظيم إجراءات استدعاء المشتبه بهم، كما يعزز آليات العدالة التصالحية عبر تفعيل الوساطة القضائية والعقوبات البديلة. وتهدف هذه المقاربة الجديدة إلى تخفيف العبء عن المحاكم وتشجيع الحلول الودية للنزاعات.
وإدراكاً لخطورة الجريمة العابرة للحدود، يولي المشروع أهمية خاصة لتعزيز التعاون القضائي الدولي، مع تطوير آليات جديدة تضمن حماية حقوق الضحايا والشهود. وتشكل هذه المقتضيات استجابة واقعية للتحديات الأمنية المعاصرة التي تتطلب تنسيقاً دولياً فعالاً.
وبهذه التعديلات الشاملة، يخطو المغرب خطوة مهمة نحو تحديث منظومته القضائية، محققاً توازناً دقيقاً بين متطلبات العدالة الجنائية وحماية الحقوق والحريات الأساسية. ويعكس هذا المشروع التزاماً راسخاً بتطوير الترسانة القانونية بما يواكب المعايير الدولية ويستجيب لتطلعات المجتمع في عدالة فعالة وناجزة.