قضية مهرجان فضالات..بين حماية المال العام والتوظيف الإعلامي الفج

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة المحلية، برزت قضية “مهرجان فضالات” كواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الآونة الأخيرة، حيث تجاوزت أبعادها الإطار القانوني والإداري البحت لتتحول إلى قضية رأي عام تتقاذفها التأويلات وتتجاذبها المصالح المختلفة. وفي محاولة لفهم حقيقة ما يجري، يجدر بنا العودة إلى جذور القضية والتي تعود لعام 2014 أي بعد مرور 11 سنة والتي بدأت بتخصيص مبلغ مالي قدره مائة ألف درهم، أي ما يعادل عشرة ملايين سنتيم، لفائدة الجمعية الفروسية التقليدية، وذلك بعد موافقة بالإجماع من قبل أعضاء المجلس الجماعي آنذاك.

وفي تفاصيل القضية، نجد أن المبلغ المخصص كان الغرض منه اقتناء مادة البارود وكل ما تحتاجه الجمعية من مستلزمات لممارسة نشاطها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء تم وفق الأصول القانونية المتبعة، حيث صوت عليه أعضاء المجلس بالإجماع. غير أن تطور الأحداث أخذ منحى آخر حين تحول الموضوع من قضية إدارية ومالية بحتة إلى مادة إعلامية مثيرة للجدل، بل وتعدى ذلك ليصبح وسيلة للنيل من أشخاص بعينهم تحت غطاء حماية المال العام او حرية الصحافة.

وفي سياق التطورات القضائية التي شهدتها القضية، من المهم التأكيد على أن ما صدر من أحكام قضائية يعد أمراً طبيعياً في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي، والتي يمارسها استناداً إلى ما يتوفر لديه من تصريحات وما جاء في محاضر الضابطة القضائية ومحاضر قاضي التحقيق. ولعل ما يغفل عنه الكثيرون أن هذه المرحلة ليست سوى خطوة أولى في مسار قضائي طويل، إذ لا يزال الطريق ممتداً أمام استيفاء كافة مراحل التقاضي.

ومما يثير الانتباه في هذا السياق تلك المفارقة الصارخة في التعامل مع القضايا المتشابهة، لتوضيح ان هناك مسؤولين بشتى القطاعات والادارات العمومية صدرت في حقهم أحكام ومازالوا يمارسون مهامهم الى حين صدور أحكام قضائية نهاية تتبث ادانتهم .

ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً هو ذلك التوظيف الإعلامي المغرض للقضية، حيث نجد أن نفس الجهات التي كانت تضمر العداء للسيد سعيد الزيدي اثناء محنته والقضية التي فبركت له، هي ذاتها التي تسخر كل إمكاناتها اليوم للنيل من السيد عبد الفتاح الزردي، في مشهد يكشف عن خلفيات شخصية حقيرة وحسابات ضيقة تتجاوز مسألة حماية المال العام أو تنوير الرأي العام “انت عارف وأنا عارف”.

وفيما يتعلق بموضوع المطالب المدنية، يثير هذا الجانب من القضية العديد من التساؤلات المشروعة، فإذا كان المشرع قد منح رئيس أو رئيسة الجماعة، باعتباره الممثل القانوني للجماعة، صلاحيات واسعة في كل ما يتعلق بالشؤون القضائية والإدارية والمالية، وبالرجوع الى المطالب المدنية فهذا يبقى من ضمن الاختصاصات الحصرية لرئيسة المجلس مادامت محاضر تسليم السلط مرت بشكل طبيعي و بدون أي ملاحظة تذكر من قبل هذه الأخيرة والرئيس السابق و كذا من قبل السيد عبد الفتاح زردي والرئيس الذي حل محله وهذا الأمر قد تم عرضه على المحكمة الإدارية وتم اصدار حكم فيه لصالح رئيسة المجلس. فلماذا لم تطرح الرئيسة الحالية هذا الملف في دورة من دورات المجلس؟ ولماذا لم تبادر المعارضة بطرح موضوع الشكاية المرفوعة للمحكمة الإدارية في إحدى الدورات كذلك؟ وبالتالي اما أنكما على حق أو العكس مادام الامر يتعلق بالرجوع إلى عقد دورة.

ومن المثير للاهتمام أن رئيسة جماعة فضالات قد وقعت على التنازل عن المطالب بعد مراجعتها لمحاضر تسليم السلط، سواء تلك المتعلقة بالفترة الانتقالية بينها وبين الرئيس السابق، أو تلك التي تخص الفترة بين عبد الفتاح الزردي والرئيس الذي جاء بعده. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يقم الرئيس السابق بتقديم طلب المطالب المدنية حين كانت الأجهزة الأمنية والقضائية تستمع إلى السيد عبد الفتاح الزردي؟

إن ما يؤسف له حقاً هو أن الملف برمته قد تحول إلى كرة يتقاذفها الإعلام لشخصنة الأمور والنيل من بعض المسؤولين، حيث تتعمد بعض وسائل الإعلام وللاسف الشديد تغليط الرأي العام لغايات في نفس من أثار هذه الضجة الإعلامية. وليس غريباً أن نرى شخصنة الأمور من قبل هذه الوسائل الإعلامية، فهذا ديدنها في التعامل مع القضايا العامة، تحركها في ذلك دوافع وأغراض لا يعلمها إلا الله وصاحبها.

ومما يدعو للأسف حقاً أن كل هذا الحبر المسال وكل هذا الجهد الإعلامي المبذول كان من الأجدى توجيهه نحو تسليط الضوء على الحالة الكارثية التي تعيشها مدينة بنسليمان. لكن يبدو أن هناك من يتعمد إلهاء المواطن عن القضايا الجوهرية المتعلقة بتنمية المدينة وانتشالها من حالة الفوضى والتسيب التي تتخبط فيها.

لتبقى العبرة في هذه القضية هي ضرورة التريث في إصدار الأحكام المسبقة فالمتهم بريء حتى تثبت ادانته، وهذه قاعدة قديمة وعامة في القانون الوضعي و الديني، وبالتالي فهي من أهم مبادئ العدالة الجنائية واحترام مبدأ استقلال القضاء، وانتظار استكمال كافة مراحل التقاضي. كما أنه من الضروري إعادة توجيه البوصلة نحو القضايا التنموية الحقيقية التي تهم المواطن في حياته اليومية، بعيداً عن المهاترات السياسية والتوظيف الإعلامي المغرض الذي لا يخدم سوى مصالح فئة معينة على حساب المصلحة العامة.

وكنت سأكون سعيدا وفخورا لو أن هذا النقد الذي تم توجيهه للسيد عبد الفتاح الزردي كرئيس للمجلس الإقليمي لبنسليمان، كان يصب في مآل المشاريع التنموية بالاقليم واين وصل ملف النقل وغيرها من الأمور التي تهم الساكنة. أما ادانته او سنجه أو حتى عزله فلن يعود علينا باي شيء ولن يغير من الواقع شيء، لأن عدد من الجماعات على الصعيد الوطني عرفت عدة مشاكل و تصدعات بعد عزل رؤسائها علما أن هذا يبقى من اختصاص القضاء الذي لا نشكك في اتخاذ قراراته. وبالتالي من كان بيته من زجاج فلا يرشقن الناس بالحجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!