تكاليف وعواقب تنظيم كأس العالم 2030 في المغرب

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

يشكل إعلان المغرب عن استضافة جزء من مباريات كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال منعطفاً تاريخياً يستحق التحليل المعمق، خاصة من الناحية الاقتصادية. وتكتسب دراسة التجارب السابقة للدول المستضيفة أهمية خاصة في فهم التحديات والفرص المحتملة أمام المغرب.

عندما ننظر إلى التجارب السابقة، نجد أن البرازيل، التي نظمت كأس العالم عام 2014، لم تحقق سوى زيادة متواضعة في ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 0.09%، رغم الاستثمارات الضخمة التي ضختها في البنية التحتية والمنشآت الرياضية. وفي جنوب أفريقيا، التي استضافت البطولة عام 2010، كانت النتيجة أفضل قليلاً بزيادة 0.22% في الناتج المحلي، لكنها ظلت متواضعة مقارنة بحجم الاستثمارات. أما ألمانيا، التي نظمت البطولة عام 2006، فحققت زيادة بنسبة 0.12% في ناتجها المحلي الإجمالي.

هذه الأرقام تثير تساؤلات مشروعة حول الجدوى الاقتصادية من استضافة حدث بهذا الحجم، خاصة عندما نتحدث عن استثمارات ضخمة ستتحملها الخزينة العامة وبالتالي دافعو الضرائب. فالمغرب يخطط لاستثمار ما يقارب 1400 مليار سنتيم في بناء وتحديث الملاعب وحدها، دون احتساب الاستثمارات الضرورية في البنية التحتية من طرق ومطارات ومنشآت سياحية.

المستفيدون المباشرون من هذه الاستثمارات الضخمة واضحون: شركات الإسمنت والمقالع وموردو مواد البناء وشركات الحديد والصلب ستكون في مقدمة المستفيدين. كما سيستفيد قطاع المقاولات وشركات البناء الكبرى والمقاولون المحليون. ولا ننسى قطاع الخدمات، وخاصة شركات الاتصالات والنقل والفنادق وشركات التسويق والإعلان.

لكن السؤال الأهم يتعلق بالفائدة العامة التي ستعود على الاقتصاد المغربي والمواطن العادي. صحيح أن هناك منافع متوقعة مثل تحسين صورة المغرب عالمياً وتطوير البنية التحتية وتحفيز السياحة، لكن هل تبرر هذه المنافع التكاليف الباهظة؟

التجربة العالمية تشير إلى أن العائد المباشر من استضافة كأس العالم غالباً ما يكون محدوداً. فالعائدات من التذاكر والبث التلفزيوني والسياحة خلال البطولة، رغم أهميتها، لا تغطي عادة التكاليف الضخمة للاستضافة. كما أن فرص العمل التي يوفرها الحدث غالباً ما تكون مؤقتة.

فالمخاطر المالية كبيرة وتشمل ارتفاع الدين العام وزيادة الضغط على دافعي الضرائب. كما أن تكاليف صيانة المنشآت بعد البطولة تشكل عبئاً إضافياً على الميزانية العامة. والتجارب السابقة في البرازيل وجنوب أفريقيا تظهر أن العديد من الملاعب والمنشآت أصبحت غير مستغلة بعد البطولة، مما يجعلها عبئاً مالياً بدلاً من أن تكون أصولاً منتجة.

وعند تقييم الأرقام المعلنة من قبل السلطات المغربية، يجب النظر إليها بعين ناقدة ومقارنتها مع التجارب السابقة. فغالباً ما تكون التقديرات الأولية للتكاليف أقل من التكاليف الفعلية، بينما تكون توقعات العائدات متفائلة أكثر من اللازم. لأن التجربة العالمية تظهر أن معظم الدول المستضيفة واجهت تجاوزات كبيرة في التكاليف.

ولضمان نجاح المشروع، يحتاج المغرب إلى استراتيجية واضحة تشمل إنشاء هيئة رقابة مستقلة لمتابعة المصروفات، ووضع خطط واقعية لاستغلال المنشآت بعد البطولة. كما يجب تحديد أولويات الإنفاق بدقة والبحث عن مصادر تمويل متنوعة، مع التركيز على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

لأنه من المهم أيضاً ضمان توزيع عادل للمنافع وحماية مصالح دافعي الضرائب. فنجاح استضافة كأس العالم لا يقاس فقط بنجاح التنظيم، بل أيضاً بالقدرة على تحويل هذا الحدث إلى فرصة حقيقية للتنمية المستدامة.

وبالتالي، يمكن القول إن استضافة كأس العالم 2030 تمثل تحدياً كبيراً للمغرب، مع وجود فرص واعدة وتحديات جسيمة. يبقى النجاح في هذا المشروع الضخم يتطلب تخطيطاً دقيقاً وإدارة حكيمة للموارد، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الطموحات والإمكانيات الواقعية. لأن الهدف يجب أن يكون تحقيق أقصى استفادة ممكنة للاقتصاد والمجتمع المغربي على المدى الطويل، وليس مجرد تنظيم حدث رياضي ناجح وإنتهى الأمر.​​​​​​​​​​​​​​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!