المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مشهد يتكرر يومياً على الطرق المؤدية إلى جماعة مليلة بإقليم بنسليمان، تتحول سيارات الأجرة الكبيرة إلى ما يشبه علب السردين المتنقلة، متجاوزة بذلك كل الضوابط القانونية والإنسانية. فالمسافر على هذه الطرق يصطدم بواقع مؤلم يعكس حالة من الفوضى العارمة في قطاع النقل، حيث تتجاوز سيارات الأجرة الكبيرة كل الحدود المسموح بها في نقل الركاب، ليصل عدد المسافرين في السيارة الواحدة إلى عشرة أشخاص، في خرق سافر لأبسط قواعد السلامة الطرقية.
هذا الوضع المقلق لم يأت من فراغ، بل نتج عن غياب شبه تام للمراقبة الأمنية للدرك الملكي في المنطقة. فالملاحظ أن دوريات الدرك الملكي تكاد تكون معدومة، والسدود القضائية غائبة تماماً على الطرق المؤدية إلى مليلة خاصة عبر الطريق رقم RP3321، مما خلق مناخاً مشجعاً على التمادي في خرق القانون. ولعل ما يثير الاستغراب أكثر هو وجود مركز ترابي للدرك الملكي في المنطقة، لكنه يبدو وكأنه غير موجود على أرض الواقع، إذ لم يسبق أن سجل أي عمليات نوعية، على عكس باقي مراكز الدرك الملكي في الإقليم.
هذا التراخي الأمني في منطقة تعتبر حساسة، خاصة من جهة “الكارة” المعروفة بفسادها وانتشار تجار المخدرات فيها وللجوء المبحوث عنهم للاختباء فيها، جعل أرباب سيارات الأجرة الكبيرة يتمادون في تجاوزاتهم، وهم على يقين تام بأن الطريق سالكة أمامهم وأن لا أحد سيوقفهم أو يحاسبهم على مخالفاتهم. وقد تحولت المنطقة برمتها إلى ما يشبه المنطقة الرمادية التي تغيب فيها سلطة القانون، ليصبح كل شيء مباحاً، حتى ما يتعلق بأرواح المواطنين وسلامتهم.
إن خطورة الوضع لا تكمن فقط في التجاوزات اليومية التي يرتكبها سائقو سيارات الأجرة، بل تمتد لتشمل تراجع هيبة المؤسسات الأمنية في المنطقة، وخلق حالة من الاستهتار العام بالقانون. فعندما يصبح خرق القانون هو القاعدة وليس الاستثناء، فإن ذلك يؤسس لثقافة خطيرة من التجاوزات قد تمتد لتشمل مجالات أخرى.
إن معالجة هذا الوضع المتردي تستدعي تدخلاً عاجلاً وحازماً من السلطات المختصة، يبدأ بتفعيل حقيقي لدور المركز الترابي للدرك الملكي، وتكثيف الدوريات الأمنية في المنطقة، مع ضرورة إقامة سدود قضائية بشكل منتظم لضبط المخالفين. كما يجب إعادة النظر في منظومة المراقبة الأمنية بالمنطقة بشكل شامل، بما يضمن تطبيقاً صارماً للقانون وحماية فعلية لأرواح المواطنين.
وفي انتظار هذا التدخل المنشود، يبقى المواطن البسيط هو الضحية الأولى لهذه الفوضى، مضطراً للمخاطرة بحياته في كل مرة يستقل فيها سيارة أجرة متجهة إلى مليلة، في ظل غياب بدائل آمنة للتنقل. فهل ستتحرك الجهات المعنية لوضع حد لهذه المهزلة، أم سننتظر وقوع الكارثة لنتحرك؟