تحولات مدونة الأسرة المغربية..قراءة نقدية في مسار الإصلاح

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

يشهد المغرب اليوم تحولاً تاريخياً في منظومته التشريعية الأسرية، حيث تأتي التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة لتعكس طموحاً كبيراً نحو تحديث المنظومة القانونية وملاءمتها مع متطلبات العصر. غير أن هذا المسار الإصلاحي، رغم أهميته وضرورته، يثير العديد من التساؤلات الجوهرية حول مدى قدرته على تحقيق أهدافه في ظل الواقع الاجتماعي المعقد.

تنطلق التعديلات المقترحة من رؤية تحديثية تسعى إلى تجاوز إشكاليات المدونة السابقة، خاصة فيما يتعلق بتوثيق الزواج وإثباته. فالتوجه نحو اعتماد عقد الزواج كوسيلة وحيدة لإثبات الزوجية يعكس رغبة في تنظيم العلاقات الأسرية وحمايتها قانونياً. لكن هذا التوجه، رغم نبل مقاصده، يصطدم بواقع اجتماعي متنوع ومعقد، خاصة في المناطق النائية والقروية حيث لا تزال الممارسات العرفية متجذرة في النسيج الاجتماعي. فكيف يمكن ضمان تطبيق هذه المقتضيات في مناطق تفتقر للبنية التحتية اللازمة للتوثيق الإلكتروني، أو حيث يصعب الوصول إلى الجهات المختصة؟

وتزداد هذه الإشكالية تعقيداً عندما نتحدث عن المغاربة المقيمين في الخارج. فرغم أن التعديلات تحاول تيسير إجراءات الزواج لهذه الفئة من خلال السماح بعقد الزواج دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك، إلا أن هذا الحل يطرح تحديات جديدة تتعلق بآليات التنفيذ وإشكاليات التنسيق مع السلطات الأجنبية.

ولعل مسألة تحديد سن الزواج تكشف بجلاء عن التناقض بين الطموح التشريعي والواقع الاجتماعي. فرغم أن تحديد السن في 18 سنة شمسية كاملة يمثل خطوة مهمة لحماية القاصرين، إلا أن وجود استثناء يسمح بتخفيض السن إلى 17 سنة يضعف من فعالية هذا المقتضى. هذا الاستثناء، وإن كان محاطاً بضمانات قانونية، يفتح الباب أمام تأويلات وممارسات قد تفرغ القاعدة الأساسية من محتواها.

وفي سياق متصل، تثير مسألة اشتراط عدم التعدد إشكالات عميقة تتجاوز النص القانوني إلى التطبيق العملي. فرغم أن منح المرأة حق اشتراط عدم التعدد يمثل تطوراً مهماً في حماية حقوقها، إلا أن غموض مفهوم “المبرر الموضوعي الاستثنائي” وصعوبة إثبات الحالات الاستثنائية طبياً يجعل هذا المقتضى عرضة للتحايل والالتفاف.

أما فيما يخص تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، فإن الاعتراف بعمل المرأة داخل المنزل كمساهمة في تنمية الثروة المشتركة يمثل تطوراً نوعياً في المنظومة القانونية المغربية. غير أن هذا المقتضى يواجه تحديات عملية تتعلق بآليات التقييم وصعوبات الإثبات. فكيف يمكن تقييم العمل المنزلي بشكل عادل؟ وما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لتحديد نسب المساهمة في الأموال المشتركة؟

ويأتي نظام الطلاق التلقائي ليطرح إشكالية أخرى تتعلق بالتوازن بين تيسير الإجراءات وحماية الحقوق. فرغم أن هذا النظام يهدف إلى تبسيط إجراءات إنهاء العلاقة الزوجية، إلا أنه قد يفتح الباب أمام ممارسات تعسفية تضر بالطرف الأضعف في العلاقة. كما أن غياب ضمانات كافية للتحقق من الرضا الحقيقي للطرفين يثير مخاوف حقيقية حول إمكانية استغلال هذا النظام.

وفي محاولة لتخفيف حدة النزاعات الأسرية، تقترح التعديلات إحداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة. لكن هذه المبادرة، رغم أهميتها، تواجه تحديات هيكلية تتعلق بضعف الإطار المؤسسي وغياب معايير واضحة لاختيار الوسطاء وتأهيلهم. كما أن عدم إلزامية قرارات الوساطة وطول إجراءات الصلح قد يحد من فعالية هذه الآلية.

إن نجاح هذا المشروع الإصلاحي يتطلب مقاربة شمولية تتجاوز مجرد تعديل النصوص القانونية إلى معالجة التحديات العملية والاجتماعية. فلا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون توفير البنية التحتية اللازمة، وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير آليات المراقبة والتتبع.

كما يجب الانتباه إلى أن التغيير القانوني لا يمكن أن يحقق أهدافه دون تغيير في العقليات والممارسات الاجتماعية. وهذا يتطلب عملاً توعوياً مكثفاً يشرك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني وإعلام ومؤسسات تعليمية.

وعليه، يمكن القول إن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، رغم ما تحمله من طموح تحديثي مشروع، تحتاج إلى مراجعة متأنية لبعض مقتضياتها وتطوير آليات تنفيذها. فالتحدي الحقيقي ليس في صياغة نصوص قانونية متقدمة، بل في ضمان تطبيقها بشكل فعال يحقق التوازن المنشود بين حماية الحقوق والحفاظ على استقرار الأسرة المغربية.

وبالتالي لم يعد أي قيمة لمجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة في ضل هذا التعديل للمدونة كالولاية في الزواج واقبال الشباب على الزواج المتضرر أصلا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفي النهاية سنشهد عزوفا غير مسبوق ناهيك عن إرتفاع العنوسة المرتفعة أصلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!