مستقبل سوريا في ميزان التحولات الإقليمية..تحديات ما بعد الأسد وتداعياته على المنطقة

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

تشهد سوريا مرحلة محورية في تاريخها المعاصر مع التغيرات المتسارعة التي تعصف بالمشهد السياسي والاجتماعي، وتحديداً مع الحديث عن احتمالية سقوط نظام بشار الأسد. هذا التحول الجذري يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد والمنطقة بأكملها، خاصة مع بروز قوى جديدة وتحديات متعددة تهدد النسيج المجتمعي السوري.

يشكل صعود هيئة تحرير الشام أو ما بات يعرف بطالبان العرب تحولاً جوهرياً في المشهد السوري. فرغم محاولاتها تقديم نفسها كقوة معتدلة مقارنة بتنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن توجهاتها وممارساتها تثير مخاوف جدية. يقدم البروفيسور بيتر نيومان تحليلاً دقيقاً لهذه الظاهرة، مشيراً إلى أن الهيئة، وإن كانت لا تسعى لإقامة خلافة على غرار داعش، إلا أنها تتخذ من حركة طالبان نموذجاً يحتذى به. هذا التوجه يضع الأقليات والمجتمع السوري بأكمله أمام تحديات غير مسبوقة.

فالتحديات الهيكلية للتحول الديمقراطي تكشف عن معضلة جوهرية تواجه التحول الديمقراطي في سوريا والعالم العربي عموماً، وهي غياب طبقة وسطى قوية قادرة على دعم وتعزيز المسار الديمقراطي. هذا العامل، الذي غالباً ما يتم تجاهله في التحليلات السياسية، يمثل عقبة رئيسية أمام أي محاولة لبناء نظام ديمقراطي مستقر. فالتجربة التاريخية، تؤكد أن وجود طبقة وسطى متعلمة كان عاملاً حاسماً في نجاح التحول الديمقراطي في أوروبا.

وبالتالي فإني أحذر من الصراعات العرقية والطائفية المكبوتة والتي ستساهم في خطورة انفجار الصراعات العرقية والطائفية المكبوتة بعد سقوط النظام الديكتاتوري. فالتجارب السابقة في دول مثل مصر وليبيا تشير إلى أن سقوط الأنظمة الاستبدادية غالباً ما يؤدي إلى ظهور وتفاقم هذه الصراعات. وفي السياق السوري، تبدو هذه المخاوف أكثر واقعية مع ظهور مؤشرات مقلقة مثل رغبة بعض القرى الدرزية في الانضمام لإسرائيل، ولجوء العلويين إلى لبنان، والتهديدات التي يواجهها الأكراد من قبل تركيا.

وفي إطار التداعيات الإقليمية والدولية يمتد تأثير التحولات في سوريا إلى المشهد الإقليمي والدولي. فانهيار “محور المقاومة” يمثل ضربة قوية لإيران، مما قد يدفعها إلى تسريع برنامجها النووي. كما يفتح المجال أمام تركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على استقرار المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الحكم الذاتي الكردي.

لأن قضية اللاجئين وتحديات العودة تطرح رؤية متوازنة حول قضية اللاجئين السوريين في أوروبا. فبينما يرى أن تعليق طلبات اللجوء قد يكون مبرراً في ظل عدم وضوح المشهد السوري، إلا أنه يحذر من مخاطر الإعادة القسرية في ظل الأوضاع غير المستقرة. ويدعم في المقابل فكرة تشجيع العودة الطوعية كحل وسط يراعي مصالح جميع الأطراف.

يشير بعد الخبراء إلى تحدٍ جوهري يتمثل في غياب خطة واضحة للتعامل مع إرث جرائم الماضي. هذا الغياب يهدد فرص تحقيق المصالحة الوطنية ويزيد من مخاطر تجدد العنف. فتجارب العدالة الانتقالية في دول أخرى تؤكد أهمية وجود آليات واضحة للتعامل مع انتهاكات الماضي كشرط أساسي لبناء السلام المستدام.

يبرز التحليل أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي في المرحلة المقبلة. فالضغط على تركيا لضمان استقرار المنطقة، والتعامل مع التداعيات المحتملة لعودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وإيجاد آليات لحماية الأقليات، كلها عوامل حاسمة في تشكيل مستقبل سوريا.

ففي ضوء هذه التحديات المتعددة، يمكن تصور عدة سيناريوهات لمستقبل سوريا:

1. سيناريو التفكك: حيث تؤدي الصراعات العرقية والطائفية إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متنافسة، مع ما يصاحب ذلك من نزوح جماعي وعنف متجدد.

2. سيناريو الهيمنة الإسلامية: مع تزايد نفوذ هيئة تحرير الشام وتطبيق نموذج شبيه بحكم طالبان، مما قد يؤدي إلى تهميش الأقليات وتقييد الحريات.

3. سيناريو التدخل الإقليمي: حيث تتحول سوريا إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية، خاصة تركيا وإيران، مع ما يصاحب ذلك من عدم استقرار مزمن.

4. سيناريو الانتقال التدريجي: وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث يتم التوصل إلى تسوية سياسية تضمن حقوق جميع المكونات السورية، مع دعم دولي للانتقال السلمي.

وبالتالي فإنني أأكد أن مستقبل سوريا يقف على مفترق طرق حاسم. فالتحديات الهيكلية المتمثلة في غياب طبقة وسطى قوية، والصراعات العرقية والطائفية الكامنة، وصعود قوى متطرفة، كلها عوامل تهدد فرص الاستقرار والتحول الديمقراطي. ومع ذلك، فإن الوعي بهذه التحديات والتعامل معها بواقعية وحكمة، مع دعم دولي فعال، قد يفتح الباب أمام مستقبل أفضل للشعب السوري.

لذا، فإن المرحلة المقبلة تتطلب جهوداً استثنائية من جميع الأطراف المعنية. فعلى المستوى الداخلي، هناك حاجة ماسة لبناء توافق وطني يضمن حقوق جميع المكونات السورية. وعلى المستوى الإقليمي، يجب العمل على تحييد سوريا عن صراعات المحاور. أما على المستوى الدولي، فيجب تقديم دعم حقيقي لعملية الانتقال السياسي مع ضمانات لحماية الأقليات ومنع تجدد العنف. خاصة وأن هناك أخبار حول إعراب ستة قرى درزية عن رغبتها في الإنضمام لإسرائيل، أو لجوء العلويين المرتبطين بنظام الأسد إلى لبنان هربا من حكم الإسلاميين والأكراد المهددين من قبل تركيا.

إن مستقبل سوريا لا يهم السوريين وحدهم، بل يمتد تأثيره ليشمل استقرار المنطقة بأكملها. لذا، فإن نجاح الانتقال السياسي في سوريا سيكون له تداعيات إيجابية تتجاوز حدودها، في حين أن فشله سيؤدي إلى موجات جديدة من عدم الاستقرار والعنف قد تمتد لسنوات قادمة.​​​​​​​​​​​​​​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!