المصطفى الجوي – موطني نيوز
يشهد المغرب هذه الأيام أزمة دستورية غير مسبوقة تهز أركان المشهد السياسي وتثير مخاوف عميقة حول مستقبل الحكم الرشيد وسيادة القانون في المملكة. في قلب هذه الأزمة يقف رئيس الحكومة المغربية، السيد عزيز أخنوش، الذي أثار تصريحه الأخير تحت قبة البرلمان عاصفة من الجدل والتساؤلات حول شرعية وقانونية ممارساته.
فقد اعترف السيد أخنوش صراحة أمام نواب الشعب بأن شركته دخلت في مناقصة للفوز بصفقة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء وفازت بها، في خرق واضح للمادة 33 من التنظيم الداخلي لعمل الحكومة. هذه المادة التي تنص بشكل صريح على أنه “يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا طوال مدة مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولا سيما مشاركتهم في أجهزت التسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على الربح. وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تضارب المصالح، يتعين على عضو الحكومة الذي يوجد في إحدى حالات التنافي بتسوية وضعيته داخل أجل لا يتعدى ستين يوما من تاريخ تنصيبه”.
لكن ما يثير القلق أن هذا ليس الخرق الأول من نوعه، بل يأتي ضمن سلسلة متواصلة من الممارسات المثيرة للجدل على مدار أكثر من ثلاث سنوات.
فمنذ توليه منصب رئيس الحكومة، استمر السيد أخنوش في إدارة أنشطته التجارية وتوسيع نفوذه الاقتصادي. فهو يحتكر تزويد الدولة بالمحروقات، بما في ذلك البرلمان نفسه، ويسيطر على عمليات التنقيب واستغلال الغاز في منطقة تندرارة، وها هو اليوم يفوز بصفقة تحلية مياه البحر في العاصمة الاقتصادية للمملكة.
وفيما يتعلق بصفقة تحلية مياه البحر تحديداً، فإن الادعاءات بأن مشاركة شركته كانت لحماية هذه الصفقة من الشركات الأجنبية تبدو واهية وبعيدة عن الحقيقة. فالواقع يشير إلى أن مجموعته، التي تضم شركته وشركة إسبانية يمتلك فيها أسهماً، فازت بالمناقصة في ظروف مثيرة للشك، في حين تم إقصاء شركات مغربية عريقة مثل الصندوق المهني للتقاعد وشركة الطاقة الريحية والشركة المغربية للهندسة والشركة العامة للأشغال بالمغرب.
إن هذا الوضع يثير تساؤلات جوهرية حول دور المؤسسات الدستورية في حماية مبادئ الحكم الرشيد. فأين المحكمة الدستورية التي من مهامها الأساسية التأكد من مطابقة الممارسات الحكومية للدستور؟ وأين المؤسسة الملكية التي تعتبر الضامن الأعلى للدستور والمؤسسات؟
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوضع خطيرة للغاية. فقد أدت هذه الهيمنة الاقتصادية إلى ضرب مبدأ المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص في السوق المغربي. كما أدى احتكار القطاعات الحيوية إلى تسريح العديد من الشركات لعمالها وإعلان إفلاسها، مما ساهم في ارتفاع معدل البطالة إلى مستويات قياسية بلغت 21 في المئة.
إن خطورة الوضع الحالي لا تكمن فقط في مخالفة النص الدستوري، بل في تأسيس سابقة خطيرة تهدد مستقبل الحكم الرشيد في المغرب. فعندما يستغل رئيس الحكومة منصبه وسلطته ونفوذه للهيمنة على الاقتصاد وطرد رأس المال المغربي وإرهاب المستثمرين الأجانب، فإن ذلك يشكل ضربة قاصمة لمصداقية الدولة ومؤسساتها.
والحل يكمن في تحرك سريع وحاسم من قبل المؤسسات المعنية. فإما أن تقوم المؤسسة الملكية والمحكمة الدستورية بدورهما في حماية الدستور ومحاسبة المسؤولين عن خرقه، أو أن نشهد تراجعاً خطيراً في المكتسبات الديمقراطية والتنموية التي حققها المغرب على مدى عقود.
لقد أصبحنا اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما استعادة هيبة الدستور وسيادة القانون، أو السماح بتحول منصب رئيس الحكومة إلى أداة للهيمنة الاقتصادية وتقويض أسس الدولة الديمقراطية. إن المسؤولية التاريخية تقع اليوم على عاتق المؤسسات الدستورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة البوصلة إلى مسارها الصحيح.
لإن تجاهل هذه الأزمة الدستورية أو التساهل في معالجتها سيكون له تداعيات وخيمة على مستقبل المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فالمطلوب اليوم هو تحرك حاسم وشجاع يعيد الاعتبار للدستور ويضع حداً للتجاوزات التي تهدد أسس الدولة الديمقراطية الحديثة.
يبقى السؤال المطروح: هل ستنتصر المؤسسات الدستورية للقانون وتضع حداً لهذه التجاوزات، أم سنشهد استمرار تآكل المؤسسات وتراجع مبادئ الحكم الرشيد في المغرب؟