المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب المغرب العريق، حيث تمتزج عبق الحضارة بنسمات الحداثة، يتجلى سرٌ ملكيٌ يثير الفضول ويستنطق العقول. فخلافاً لما درجت عليه التقاليد الملكية في شتى بقاع الأرض، يتميز العرش المغربي بظاهرةٍ فريدة تتمثل في غياب التاج الملكي عن رأس الملك. هذا الغياب الذي يحمل في طياته معانٍ عميقة ودلالات ثرة، يعكس فلسفةً ملكية متفردة ورؤيةً عصرية للحكم والسلطة.
يضرب هذا النهج بجذوره في أعماق التاريخ المغربي، حيث تشابكت الحضارات وتمازجت الثقافات لتنسج نسيجاً فريداً من التقاليد الملكية. فالملك محمد السادس، حامل راية هذا الإرث العريق، اختار أن يرسخ نهجاً معاصراً يتجاوز الرمزية التقليدية للتاج، مؤكداً أن جوهر الملكية يكمن في الأفعال وليس في المظاهر.
وفي هذا المسلك الحكيم، نجد تجسيداً حياً لفلسفة ملكية تؤمن بأن القرب من النبض الشعبي أثمن من بريق التاج، وأن التواصل المباشر مع أبناء الوطن أجدى من حواجز البروتوكول الملكي التقليدي. فالملك، في رؤيته المستنيرة، يرى أن التاج الحقيقي يتجلى في ثقة شعبه ومحبتهم، وأن أبهى حلل الملك تتمثل في إنجازاته وعطائه لوطنه.
إن غياب التاج في المشهد الملكي المغربي ليس مجرد اختيار شكلي، بل هو تعبير عميق عن رؤية تنموية شاملة تضع الإنسان المغربي في صلب اهتماماتها. فالملكية المغربية المعاصرة تستمد قوتها من التحامها بقضايا شعبها، وتستقي شرعيتها من إنجازاتها التنموية، وليس من رموز السلطة التقليدية.
وفي خضم التحولات العالمية المتسارعة، يبرز هذا النهج الملكي المتفرد كنموذج يحتذى في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين هيبة السلطة وتواضع القيادة. فالملك محمد السادس، بتخليه عن التاج المادي، إنما يتوج نفسه بتاج معنوي أثمن، تاج يُنسج من خيوط الإنجازات التنموية والإصلاحات المجتمعية والتحديث المؤسساتي.
وهكذا، يتجلى غياب التاج في المشهد الملكي المغربي كعلامة مضيئة على درب التحديث والتطور، وكرسالة عميقة مفادها أن عظمة الملوك تكمن في قربهم من شعوبهم وفي قدرتهم على تحقيق تطلعاتهم، لا في ما يرتدون من رموز السلطة وأدواتها. إنه درس بليغ في فن الحكم الرشيد، وشهادة ناطقة على عمق الفكر السياسي المغربي المعاصر.