المصطفى الجوي – موطني نيوز
في الآونة الأخيرة، أثارت خطوة غير محسوبة من حزب العدالة والتنمية في إقليم بنسليمان تساؤلات عديدة حول أهدافها وتداعياتها. فقد قامت النائبة البرلمانية عن الحزب بتوجيه سؤال كتابي إلى معالي وزير الداخلية حول تقرير اللجنة المركزية للمفتشية العامة لوزارة الداخلية بشأن تدبير الشأن المحلي بجماعة بنسليمان. ورغم أهمية السؤال، إلا أن التوقيت والجهة التي طرحته يثيران الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذه الخطوة.
بل ويتساءل الكثيرون : ما الذي دفع حزب العدالة والتنمية لطرح هذا السؤال في هذا التوقيت تحديدًا؟ ومن هي الجهة التي أفتت عليهم اتخاذ هذه الخطوة؟ وهل يدرك الحزب أن هذه الخطوة تخدم رئيس الجماعة محمد اجديرة أكثر مما تضره؟ للإجابة على هذه التساؤلات، يجب النظر إلى السياق السياسي والسلطوي الذي تتحرك فيه وزارة الداخلية، والمعروف عنها عدم رضوخها للتهديدات أو المساومات.
وزارة الداخلية في المغرب، والمعروفة بأم الوزارات، تمتلك من الأجهزة والإمكانات ما يكشف أي محاولة للضغط أو الابتزاز. ولم يسبق لها أن أعطت سبقا صحفيا لأي جهة، مما يعني أن أي تسريب أو خبر يتم تداوله في الإعلام يكون تحت سيطرتها التامة. بالإضافة إلى ذلك، حزب العدالة والتنمية يعاني من تراجع شعبيته بشكل كبير وبين قوسين “مغضوب عليه”، حيث انخفض عدد مقاعده من 125 مقعدا إلى 13 مقعدا فقط في الانتخابات الأخيرة، مما يجعله في وضع ضعيف لا يسمح له بممارسة ضغوط حقيقية على وزارة الداخلية. فالحزب سقط سقطة مدوية من المركز الأول إلى الثامن في لمح البصر رغم قضائه لولايتين في الحكومة.
وبالتالي إذا كانت وزارة الداخلية قد تنوي بالفعل عزل رئيس جماعة بنسليمان محمد اجديرة، فإن خطوة حزب العدالة والتنمية الأخيرة قد تدفع الوزارة إلى التراجع عن هذا القرار لتفادي إعطاء الحزب دفعة قوية تمكنه من تصدر المشهد الانتخابي القادم في بنسليمان بصفة خاصة بإعتبارهم أصحاب السؤال الملغوم. هذا لأن وزارة الداخلية تدرك تماماً أن عزل اجديرة في هذا التوقيت سيُنظر إليه كاستجابة لضغوط حزب العدالة والتنمية، وهو ما سيعزز من موقف الحزب الانتخابي، وهو ما لا يمكن أن تقبله الوزارة بأي حال. فلم يسبق لنا أن سمعنا أن أم الوزارات تقوم بالدعاية للأحزاب.
من الواضح أن الخطوة التي اتخذها حزب العدالة والتنمية في بنسليمان قد تكون من أكثر الخطوات خدمة لرئيس الجماعة محمد اجديرة بتثبيت أقدامه في الجماعة. فوزارة الداخلية التي تعرف جيداً موازين القوى وتتحكم في سير الأمور، لن تسمح بأي حال من الأحوال بظهور حزب العدالة والتنمية بمظهر المنتصر. وبالتالي، قد تفضل الوزارة الإبقاء على اجديرة في منصبه مع توجيه توبيخ أو إنذار، تجنباً لتعزيز مكانة الحزب الذي يعاني من تراجع شعبيته.
مرة أخرى، يبدو أن التهور السياسي لحزب العدالة والتنمية في بنسليمان قد أتى بنتائج عكسية، حيث خدم رئيس الجماعة محمد اجديرة بدلاً من أن يضره. ولعل المكتب الإقليمي للحزب والنائبة البرلمانية قد تعلموا درساً قاسياً في فنون اللعبة السياسية وتعقيداتها، وأن وزارة الداخلية تبقى اللاعب الأقوى والأكثر تأثيراً في رسم معالم المشهد السياسي المحلي والوطني.
وفي سياق آخر، كان من الأفضل لحزب العدالة والتنمية أن يركز جهوده على طرح قضايا تنموية تهم المواطنين بشكل مباشر، مثل المشاريع التنموية العالقة والأوضاع المزرية للشباب في الإقليم. فهذه القضايا هي التي تهم المواطن البسيط وتؤثر على حياته اليومية بشكل مباشر. ولكن للأسف، اختار الحزب الانجرار وراء معارك سياسية لا تخدم إلا مصالح ضيقة وشخصية والكل يعرف ذلك.
ومن جهة أخرى، يجب أن نؤكد أن وزارة الداخلية ليست بحاجة لأي جهة لتذكيرها بواجباتها أو مسؤولياتها. فهي على دراية تامة بما يجري في كل جماعة ومدينة وقرية ودوار بالمملكة، وتملك من الأجهزة والإمكانات ما يكفي لمراقبة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة عند الحاجة. ولذلك، فإن أي محاولة للضغط أو الابتزاز لن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية.
ولعل الدرس الأكبر الذي يجب أن يستفيده الجميع من هذه الواقعة، هو أن السياسة ليست مجرد تصريحات وشعارات، بل هي علم وفن يتطلبان حكمة وحنكة في اتخاذ القرارات ورسم الاستراتيجيات. والأهم من ذلك، أن العمل السياسي يجب أن يكون دائما في خدمة الصالح العام وليس لتحقيق مصالح شخصية إنتقامية أو حزبية ضيقة.
وبالتالي، يبدو أن حزب العدالة والتنمية في بنسليمان قد وقع في فخ نصبه لنفسه، وأن رئيس الجماعة محمد اجديرة هو المستفيد الأكبر من هذه الخطوة غير المحسوبة. ويبقى الأمل أن يتعلم الجميع من هذه التجربة، وأن يتم التركيز في المستقبل على القضايا التي تهم المواطن فعلاً وتسهم في تحسين ظروف حياته. ساعتها سيستعيد حزب العدالة والتنمية أمجاده محليا ووطنيا، أما اليوم وفي المملكة المغربية الشريفة لم يسبق لنا أن سمعنا عن عودة الميت وخروجه من القبر، وإنا لله وإن إليه راجعون.