حقيقة الدنيا وغرورها..تأمّلات في فناء الدنيا وبقاء الآخرة

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

تتوالى الأيام والليالي، وتمرّ السنون مسرعة كلمح البصر، ونحن في غفلة عن حقيقة جوهرية لا مراء فيها – ألا وهي أنّ الدُنيا بَقاؤها قَليل وعزيزها ذَليل وشبابها يهرم وحيّها يَموت. هذه الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون في خضم انشغالهم بملذات الحياة وزخارفها، متناسين أن كل ما نراه من نعيم زائل وعز مؤقت إنما هو اختبار وابتلاء.

تأمل معي في حال الدنيا وأهلها – كم من صحيح عافاه الله أصبح طريح الفراش، وكم من غني أمسى فقيراً يتكفف الناس، وكم من عزيز القوم صار ذليلاً، وكم من شاب قوي البنية أضحى شيخاً هرماً. إنها سنة الله في خلقه، تتبدل الأحوال وتتغير الظروف، ولا يدوم الحال على حال.

والعجيب في طبيعة النفس البشرية أنها تغتر بالدنيا رغم كل هذه العبر والعظات المحيطة بها. فالدنيا دار أماني وغرور، آمالها باطلة ووعودها كاذبة، عيشها نكد وصفوها كدر. يظن المرء أنه قد بلغ غاية السعادة حين يجمع المال أو ينال المنصب، ولكن سرعان ما يكتشف أن هذه السعادة مؤقتة، يعقبها هم وغم، وربما زوال النعمة من أساسها.

ولهذا جاء النداء الرباني الكريم في قوله تعالى: “سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ”. إنه نداء يوقظ القلوب الغافلة، ويذكر النفوس اللاهية بحقيقة وجودها وغاية خلقها. فالمؤمن الحكيم هو من يدرك أن الدنيا معبر وليست مستقراً، يأخذ منها بقدر حاجته، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً.

إن ما يبقى حقاً هو العمل الصالح الذي يقدمه الإنسان في حياته. فالمال يفنى، والجاه يزول، والصحة تضعف، لكن الأعمال الصالحة تبقى شاهدة لصاحبها يوم القيامة. والإنسان العاقل هو من يدرك أن كل النعم التي بين يديه إنما هي أمانة سيُسأل عنها، وليست ملكاً دائماً له.

والحكمة كل الحكمة في أن نعي هذه الحقيقة ونعيش على ضوئها. فلا نفرح كثيراً حين تقبل الدنيا علينا، ولا نحزن كثيراً حين تدبر عنا. ولنجعل همنا الأكبر العمل للآخرة، فهي دار القرار، وفيها النعيم المقيم لمن أحسن العمل وأخلص النية لله تعالى.

فلنكن من أولئك الذين يسعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السماوات والأرض، متخذين من الدنيا مزرعة للآخرة، عاملين بما يرضي الله، متزودين من الأعمال الصالحة ما ينفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. فالسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اغتر بدنياه وغفل عن آخرته.​​​​​​​​​​​​​​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!