تصريحات أوجار تقوض علاقة الحزب مع المؤسسة الملكية

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

شكل تصريح محمد أوجار، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير العدل السابق، منعطفاً جديداً في المشهد السياسي المغربي، حيث فتح نقاشاً عميقاً حول طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية ومؤسسات الحكامة في المملكة. فعندما عبر أوجار عن استغرابه من هيمنة ما أسماه “تيار سياسي واحد” على رئاسة مؤسسات الحكامة، لم يكن يطرح مجرد ملاحظة عابرة، بل كان يفتح ملفاً حساساً يتعلق بجوهر النظام المؤسساتي المغربي وآليات توزيع السلطات فيه.

يكتسي هذا التصريح أهمية استثنائية نظراً للسياق الذي جاء فيه والشخصية التي صدر عنها. فمحمد أوجار، بصفته قيادياً في حزب يعتبر تاريخياً من الأحزاب القريبة من دوائر صنع القرار، يدرك تماماً حساسية مثل هذا التصريح وتداعياته المحتملة. وما يزيد من أهمية هذا الموقف هو تجاهله الواضح لحقيقة دستورية أساسية، وهي أن تعيين رؤساء مؤسسات الحكامة يندرج ضمن الصلاحيات الحصرية للمؤسسة الملكية وبصفة خاصة من إختصاص الملك.

لا يمكن فهم هذا التطور بمعزل عن السياق العام الذي يشهد توتراً متصاعداً بين الحكومة ومؤسسات الحكامة. فقد سبق لوزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، أن وجه انتقادات لهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة، وهي مؤسسة معينة من قبل الملك. كما قام رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، باتخاذ إجراءات عقابية ضد هذه الهيئة من خلال تقليص ميزانيتها، وذلك بعد انتقادها لصمت الحكومة إزاء تنامي ظاهرة الفساد.

هذه التطورات تثير مخاوف جدية من وجود توجه منهجي لدى القوى السياسية الحاكمة للسيطرة على مؤسسات الحكامة أو على الأقل تقويض استقلاليتها. وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً لمسار الإصلاح المؤسساتي في المغرب، خاصة وأن هذه المؤسسات تلعب دوراً محورياً في ضمان الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام بحيادية وشفافية ومصداقية.

الأخطر في هذا المشهد هو أن تصريح أوجار يأتي من داخل حزب يقود الائتلاف الحكومي، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مدى التحول في موقف حزب التجمع الوطني للأحرار من المؤسسات الدستورية. فهل يعكس هذا التصريح موقفاً فردياً أم أنه يعبر عن توجه عام داخل الحزب؟ وما هي دلالات هذا التحول في موقف حزب طالما اعتبر من أقرب الأحزاب إلى المؤسسات؟

إن هذه الأزمة تكشف عن تحول عميق في المشهد السياسي المغربي، حيث بدأت بعض القوى السياسية في تجاوز الخطوط الحمراء التقليدية في علاقتها بالمؤسسات الدستورية. وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية والمؤسساتية في المملكة.

تجدر الإشارة إلى أن نجاح التجربة الديمقراطية المغربية يعتمد بشكل كبير على التوازن الدقيق بين مختلف المؤسسات الدستورية. فمؤسسات الحكامة لا يمكن أن تؤدي دورها الرقابي بفعالية إلا إذا تمتعت باستقلالية حقيقية عن السلطة التنفيذية وحماية قوية من الملك والمؤسسة الملكية. وأي محاولة للمس بهذه الاستقلالية تشكل تهديداً للمسار الديمقراطي برمته. وهذا ما يحاول الحزب من فعله بناءا على تصريحات قيادي كبير فيه.

كما أن هذه الأزمة تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقة بين السلطة التنفيذية ومؤسسات الحكامة. فمن جهة، تحتاج هذه المؤسسات إلى الاستقلالية الكافية لأداء مهامها الرقابية، ومن جهة أخرى، يجب أن تخضع لمبادئ المحاسبة والمساءلة في إطار دولة القانون والمؤسسات.

إن تجاوز هذه الأزمة يتطلب حواراً وطنياً معمقاً حول سبل تعزيز استقلالية مؤسسات الحكامة مع الحفاظ على التوازنات المؤسساتية الأساسية. كما يستدعي من جميع الفاعلين السياسيين التحلي بالمسؤولية والحكمة في التعاطي مع هذه القضية الحساسة، حفاظاً على المكتسبات الديمقراطية للمملكة وتعزيزاً لمسيرة الإصلاح المؤسساتي.

في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل سيؤدي هذا التوتر المتصاعد إلى إعادة النظر في العلاقة بين السلطة التنفيذية ومؤسسات الحكامة؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذه الأزمة على مستقبل الإصلاح السياسي والمؤسساتي في المغرب؟ وهل سيتدخل الملك شخصيا لوقف مثل هذه التصريحات عند حدها؟. أم أنه سترك الأمور على ماهي عليه حتى وقتها؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!