المصطفى الجوي – موطني نيوز
عندما تموت الكلمة الحرة، تموت معها الحقيقة. هكذا يمكن تلخيص المشهد المأساوي الذي تعيشه الصحافة المغربية اليوم، تلك السلطة الرابعة التي تحولت من ملكة متوجة على عرش الحقيقة إلى سجينة مكبلة بقيود المال والنفوذ. إنها قصة سقوط مدوٍ لمهنة طالما كانت منارة للحقيقة وصوتاً للضمير المجتمعي.
في زمن مضى، كانت الصحافة المغربية تقف شامخة كحارسة للديمقراطية وكاشفة للفساد، يخشى سطوتها أصحاب النفوذ ويهابها المفسدون. أما اليوم، فقد انقلبت المعادلة رأساً على عقب. لم تعد الأدلة الدامغة والوثائق الموثقة هي سلاح الصحفي في كشف الحقيقة، بل أصبحت في كثير من الأحيان طريقاً مختصراً نحو القضبان والتضييق.
ولعل قضية الصحفي حميد المهداوي تقف شاهداً حياً على هذا التحول المأساوي. فها هو صحفي يمتلك من الأدلة والوثائق ما يكفي لإثبات قضيته، لكنه يجد نفسه خلف القضبان. إنها مفارقة صارخة تؤكد المثل الشعبي القديم الذي كانت تردده أمهاتنا: “لي بغا ورث أباه يبيع ورث مو”. مثل يختصر بمرارة واقعاً مؤلماً، حيث تتحول الحقيقة إلى سلعة يتحكم فيها من يملك المال والنفوذ.
وفي خضم هذا المشهد القاتم، تبرز قصة الصحفي الشاب أشرف بلمودن كنموذج لجيل جديد من الصحفيين يواجهون نفس المصير المحتوم. فرغم امتلاكه للوثائق والحجج الدامغة، إلا أن مصيره قد يكون مشابهاً لسابقيه. وكأننا نعيد إنتاج قصة الأسد والثيران الثلاثة، حيث تتردد عبارة “أُكلت يوم أُكل الثور الأسود” كنذير شؤم لما هو قادم.
إن ما يجري اليوم في المشهد الإعلامي المغربي يتجاوز مجرد أزمة مهنية عابرة. إنها إبادة ممنهجة لمهنة بأكملها، تقودها قوى خفية تعمل في الظلام. وما يزيد المشهد مرارة هو أن كل هذا يحدث في ظل شعارات رنانة عن دولة الحق والقانون، وفي وقت يقود فيه ملك البلاد أوراشاً كبرى للإصلاح والتحديث.
لقد تحولت مهنة الصحافة في المغرب إلى ساحة معركة غير متكافئة، حيث يقف الصحفي المهني وحيداً في مواجهة جيش من المصالح المتشابكة والنفوذ المتغلغل. وكما يقال، فإن أن تكون صحفياً مهنياً في زمن التفاهة والرداءة يشبه أن تكون شخصاً شريفاً يعيش وسط ماخور مليء بالعاهرات.
هذا الواقع المرير دفع العديد من الصحفيين المهنيين إلى الانسحاب من المشهد، إما طواعية حفاظاً على كرامتهم، أو قسراً تحت ضغط الملاحقات والتضييق. وفي كلتا الحالتين، الخاسر الأكبر هو المجتمع الذي يفقد تدريجياً منصات الحقيقة وأصوات النزاهة.
إن المأساة الحقيقية تكمن في أن هناك قوى تعمل بشكل ممنهج ضد التوجهات الإصلاحية التي يقودها ملك البلاد. هذه القوى التي تتخفى خلف شعارات براقة عن الوطنية والمصلحة العامة، تعمل في الواقع على تقويض أسس دولة الحق والقانون التي نطمح إليها جميعاً.
وفي خضم هذا المشهد القاتم، تبرز أسئلة ملحة: متى سيتوقف نزيف الحريات الصحفية في المغرب؟ من سيكون الضحية القادمة في قائمة الاستهداف الممنهج للصحفيين المهنيين؟ وإلى متى سيستمر صمت المجتمع عن هذه الإبادة الممنهجة لصاحبة الجلالة؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب وقفة جادة من كل الغيورين على مستقبل الصحافة والديمقراطية في المغرب. فالصمت عن انتهاك حرية الصحافة اليوم يعني القبول بانتهاك كل الحريات غداً. والتاريخ لن يرحم جيلاً سمح بتحويل صاحبة الجلالة من ملكة متوجة إلى سجينة مكبلة.
ختاماً، نقول إن إنقاذ الصحافة المغربية من براثن الإبادة الممنهجة ليس مسؤولية الصحفيين وحدهم، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر جهود كل القوى الحية في المجتمع. فالصحافة الحرة هي صمام الأمان للديمقراطية والتنمية، وحمايتها هي حماية لمستقبل المغرب الذي نحلم به جميعاً.
“ربنا لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا”، نأمل أن يأتي اليوم الذي تستعيد فيه صاحبة الجلالة عرشها المسلوب، وتعود الكلمة الحرة إلى مكانتها الطبيعية كحارسة للحقيقة وصوت للضمير المجتمعي.