العنف وسياسة الاغتيالات في أمريكا..تاريخ الانتخابات الرئاسية يروي جراح الديمقراطية

دونالد ترامب

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

عندما نتأمل المشهد السياسي الأمريكي عبر تاريخه الطويل، نجد أنفسنا أمام صفحات مؤلمة من العنف السياسي الذي طال رؤساء وشخصيات سياسية بارزة، في مفارقة صارخة مع صورة الديمقراطية المثالية التي طالما تغنت بها الولايات المتحدة وتكسرت مع طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر. فمنذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا، ظل شبح العنف يخيم على المشهد السياسي، معيداً إلى الأذهان هشاشة النظام الديمقراطي أمام التطرف والكراهية.

بدأت هذه السلسلة المأساوية من الاغتيالات السياسية مع حادثة اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن في مسرح فورد عام 1865، حين أنهى رصاص جون ويلكس بوث حياة الرئيس الذي قاد البلاد خلال أصعب فتراتها. كان لينكولن قد نجح للتو في توحيد البلاد بعد حرب أهلية طاحنة، لكن يد الغدر اختارت تلك اللحظة التاريخية لتضيف جرحاً جديداً للأمة الأمريكية الناشئة.

ومع دخول القرن العشرين، لم يتغير المشهد كثيراً، فسقط الرئيس ويليام ماكينلي ضحية رصاص ليون تشولغوش في معرض بافالو عام 1901. كان ماكينلي يتجول في المعرض مصافحاً المواطنين في مشهد يعكس روح الديمقراطية الأمريكية، قبل أن تتحول تلك اللحظات إلى مأساة هزت وجدان الأمة.

لكن الصدمة الأعنف كانت مع اغتيال الرئيس جون كينيدي في دالاس عام 1963. كان كينيدي يمثل وجهاً جديداً للسياسة الأمريكية، شاباً مفعماً بالحيوية والأمل، قبل أن تنهي رصاصات لي هارفي أوزوالد أحلام جيل كامل من الأمريكيين. تحولت لحظة الاغتيال إلى علامة فارقة في التاريخ الأمريكي، وباتت رمزاً للعنف السياسي الذي يهدد أسس الديمقراطية.

استمر مسلسل العنف مع محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981، الذي نجا بأعجوبة من رصاص جون هينكلي جونيور. وفي السنوات الأخيرة، شهدنا تصاعداً خطيراً في وتيرة العنف السياسي، بلغ ذروته مع اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، في حدث صدم العالم وكشف عن عمق الانقسامات في المجتمع الأمريكي. ولا ننسى طبعا محاولة الاغتيال التي تعرض لها المرشح الرئاسي دونالد ترامب خلال تجمعه الانتخابي مؤخرا.

يكشف هذا التاريخ الطويل من العنف السياسي عن تناقض عميق في قلب التجربة الديمقراطية الأمريكية. فمن جهة، تقدم الولايات المتحدة نفسها كنموذج للديمقراطية والحريات، ومن جهة أخرى، يظل العنف السياسي حاضراً كتهديد دائم لهذه القيم. ورغم تطور أنظمة الحماية الأمنية وتعزيز الإجراءات الوقائية، يبدو أن شبح العنف لا يزال يلقي بظلاله على المشهد السياسي الأمريكي.

اليوم، وفي ظل تصاعد حدة الاستقطاب السياسي وتنامي خطاب الكراهية، تواجه الديمقراطية الأمريكية تحدياً وجودياً يتطلب مراجعة عميقة لأسباب العنف السياسي وجذوره. فالحفاظ على مستقبل الديمقراطية يتطلب أكثر من مجرد إجراءات أمنية مشددة، بل يحتاج إلى معالجة جذور التطرف وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح في المجتمع.

تبقى القضية الأهم هي كيفية تجاوز هذا الإرث المؤلم والبناء عليه لتحصين الديمقراطية الأمريكية من مخاطر العنف السياسي. فالتحدي الحقيقي يكمن في قدرة المجتمع الأمريكي على التعلم من دروس الماضي وبناء مستقبل يقوم على احترام التعددية والاختلاف، بعيداً عن لغة العنف والإقصاء.​​​​​​​​​​​​​​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!