مهنة الصحافة في المغرب أو حين تتحول الفوضى إلى قاعدة

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا في متناول الجميع، وبات كل شخص يحمل هاتفاً ذكياً قادراً على التقاط الصور ونشر المحتوى، تحول المشهد الإعلامي المغربي إلى ساحة مفتوحة تغيب عنها أبسط قواعد المهنية والاحترافية. ولعل أبرز ما يميز هذا المشهد المضطرب هو تحول مهنة الصحافة، التي طالما كانت تتطلب تكويناً متخصصاً ومعرفة عميقة بأصولها وقواعدها، إلى مجرد نشاط عابر يمارسه كل من هب ودب دون أدنى اعتبار لضوابطها القانونية والأخلاقية.

ويتجلى هذا الواقع المأزوم بشكل خاص في مسألة التصوير والتوثيق، حيث نشهد يومياً تجاوزات صارخة لحرمة الحياة الخاصة للمواطنين وانتهاكات متكررة للقوانين المنظمة للعمل الإعلامي. فرغم أن المشرع المغربي، شأنه في ذلك شأن العديد من التشريعات المقارنة، قد وضع إطاراً قانونياً واضحاً يميز بين التصوير في الأماكن العامة والخاصة، إلا أن الممارسة اليومية تكشف عن جهل عميق بهذه القوانين أو تجاهل متعمد لها.

وفي هذا السياق، يكفي أن نتأمل نص الفصل 1-447 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين ألفي درهم وعشرين ألف درهم، كل من يقدم على تصوير شخص في مكان خاص دون موافقته. غير أن هذا النص القانوني الواضح لم يمنع انتشار ظاهرة التصوير العشوائي وتداول الصور والفيديوهات دون أي اعتبار لحقوق الأشخاص المعنيين.

وقد أدى هذا الوضع إلى تدخل رئاسة النيابة العامة من خلال إصدار منشور يوضح الإطار القانوني المنظم لمسألة التصوير، مؤكدة على أن المنع يقتصر على الأماكن الخاصة. ورغم أهمية هذا التوضيح، إلا أن الواقع يكشف عن استمرار الممارسات المخالفة للقانون، سواء من طرف المحسوبين على المهنة أو من قبل الهواة الذين يدعون ممارسة العمل الصحفي.

إن هذه الفوضى العارمة في الحقل الإعلامي المغربي لا تقتصر آثارها السلبية على المهنة فحسب، بل تمتد لتطال المجتمع بأسره. فانتشار الأخبار المضللة والشائعات، وتراجع المهنية في تناول القضايا المجتمعية، وغياب المصداقية في نقل الأحداث، كلها عوامل تساهم في زعزعة الثقة بين المواطن والمؤسسات الإعلامية.

وتزداد خطورة الوضع مع انتشار المواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية التي تدعي ممارسة العمل الإعلامي دون توفرها على أدنى مقومات المهنية كوسائل التواصل الاجتماعي. فبدلاً من أن تشكل هذه المنصات إضافة نوعية للمشهد الإعلامي، أصبحت في كثير من الأحيان منابر للإثارة والتشهير ونشر التفاهة وتصوير المغرب للخارج في أقبح صورة، متجاهلة أبسط قواعد المهنة وأخلاقياتها.

ولعل ما يزيد الطين بلة هو ضعف التكوين المهني لدى العديد من الممارسين للعمل الإعلامي. فالحصول على بطاقة صحفي مهني أو اعتماد من جهة إعلامية لم يعد كافياً لضمان احترام قواعد المهنة وأخلاقياتها. فكثيراً ما نشهد مراسلين ومصورين يجهلون أبسط القوانين المنظمة لعملهم، مما يضعهم في مواجهات متكررة مع السلطات العمومية أو المواطنين.

ومن هنا تبرز أهمية التأطير القانوني والمهني للعاملين في الحقل الإعلامي. فالحصول على ترخيص من المركز السينمائي المغربي للتصوير في الفضاءات العامة ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ضمانة أساسية لممارسة مهنية محترفة تحترم حقوق الجميع. كما أن على المسؤولين عن المواقع الإلكترونية والمؤسسات الإعلامية مسؤولية كبيرة في تأطير وتكوين المراسلين والمصورين التابعين لهم.

إن الخروج من هذه الفوضى يتطلب جهداً جماعياً من كل الفاعلين في المشهد الإعلامي المغربي. فمن الضروري تكثيف الجهود لتأهيل العاملين في القطاع، وتعزيز الرقابة على الممارسات المخالفة للقانون، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة. كما يجب على المؤسسات المعنية، وعلى رأسها المجلس الوطني للصحافة الذي إختفى وحلت محله لجنة مؤقتة، أن تلعب دوراً أكثر فعالية في تنظيم المهنة وحمايتها من الدخلاء والمتطفلين وتأطير الباقين بعيدا عن المحسوبية والزبونية والحسابات السياسية الضيقة.

فمستقبل الإعلام المغربي رهين بقدرة كل الفاعلين على تجاوز هذه المرحلة العصيبة والتأسيس لممارسة إعلامية مهنية ومسؤولة، تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، وتحترم حقوق الأفراد والمجتمع. فقط حينها يمكن الحديث عن إعلام مهني حقيقي يساهم في تنوير الرأي العام وخدمة قضايا المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!