المصطفى الجوي – موطني نيوز
يشهد المشهد الثقافي المغربي هذه الأيام فصلاً جديداً من فصول تغييب الهوية الثقافية المحلية وضرب خصوصيات المدن العريقة، حيث تتعرض الدورة السابعة عشرة من مهرجان بنسليمان للزجل لما يمكن وصفه بمحاولة “تهريب” ممنهجة، في سابقة خطيرة تهدد بتفريغ هذا الحدث الثقافي من محتواه وقيمته الرمزية.
وتكمن خطورة ما يجري في تأخير غير مسبوق لموعد المهرجان إلى أواخر شهر أكتوبر، في خروج صارخ عن موعده المعتاد في شهر مايو، وهو ما يثير استغراب المتتبعين والفاعلين الثقافيين في المدينة. غير أن المفاجأة الكبرى تكمن في قرار المديرية الجهوية للثقافة لجهة الدار البيضاء-سطات بتقسيم فعاليات المهرجان وتشتيتها على عدة مدن كالجديدة وسطات، متجاهلة بذلك الارتباط التاريخي والوجداني للمهرجان بمدينة بنسليمان.
ويبدو أن السيدة حفيظة خيي، المديرة الجهوية للثقافة، قد تغافلت – أو تعمدت تغافل – حقيقة أن لكل مدينة مهرجانها الخاص وهويتها الثقافية المميزة، وأن مهرجان بنسليمان للزجل هو تظاهرة ثقافية متجذرة في هوية المدينة وتراثها. فكيف يمكن تبرير هذا التشتيت المتعمد لفعاليات مهرجان يحمل اسم المدينة ويمثل بوابتها نحو الإشعاع الثقافي الوطني؟
ولم تقتصر مظاهر التراجع على تشتيت المهرجان جغرافياً فحسب، بل تعدتها إلى سوء التنظيم وضعف التدبير، حيث يلاحظ غياب شبه كلي للمسؤولة عن قطاع الثقافة التي تكتفي بحضور سويعات الافتتاح فقط، تاركة المشاركين يواجهون مصيرهم مع ظروف إقامة وإعاشة لا ترقى إلى المستوى اللائق بمكانتهم كمبدعين ومثقفين. كما يسجل المتتبعون استفزازاً واضحاً في توجيه الدعوات لأشخاص لا علاقة لهم بالمجال، على حساب الشعراء والزجالين والمثقفين أصحاب الاختصاص والاهتمام.
وعلى بعد أيام معدودة من الموعد المفترض لانطلاق المهرجان، تخلو شوارع بنسليمان من أي مظاهر احتفالية أو لافتات أو ملصقات تشير إلى قرب انعقاد هذا الحدث الثقافي السنوي، في مؤشر إضافي على حالة الإهمال والتهميش التي يتعرض لها المهرجان.
إن خطورة الوضع تستدعي تدخلاً عاجلاً وحازماً من السيد عامل إقليم بنسليمان لوقف هذه المهزلة التي تمس بسمعة المدينة وكرامة مبدعيها ومثقفيها. فالمهرجان ليس مجرد نشاط ثقافي موسمي، بل هو جزء أصيل من الهوية الثقافية للمدينة وحق مشروع لساكنتها.
والمطلوب اليوم، قبل فوات الأوان، هو إعادة المهرجان إلى حضن مدينته الأصلية بنسليمان، مع إشراك حقيقي للفعاليات الثقافية المحلية في التنظيم والإشراف، وضمان ظروف تنظيمية تليق بمكانة المشاركين وقيمة الحدث. فالمهرجان يجب أن يبقى لأصحاب الدار ولساكنة المدينة، وأي محاولة لتهريبه أو تشتيته لن تؤدي إلا إلى إفراغه من محتواه وقيمته الرمزية والثقافية.