المصطفى الجوي – موطني نيوز
في واقعة تكشف عن تدهور مريع في منظومة الرعاية الصحية بمدينة السيبة، تعرض طفل بريء لعضة كلب مسعور أمام إحدى المؤسسات التعليمية في مدينة بنسليمان، ليجد نفسه ضحية لسلسلة لا متناهية من الإهمال والتقاعس من قبل من يفترض أنهم حماة الصحة العامة.
بدأت المأساة عندما تم نقل الطفل على جناح السرعة إلى قسم المستعجلات، حيث تلقى إسعافات أولية سطحية وورقة باهتة تحيله إلى المكتب الصحي الجماعي لاستكمال العلاج. وهنا بدأ الفصل الأكثر قتامة في هذه المسرحية العبثية.
وصل الطفل وعائلته إلى المكتب الصحي، آملين في الحصول على الحقنة المنقذة للحياة، ليصطدموا بجدار من البيروقراطية والامبالاة. رُفض تقديم العلاج بحجج واهية لا تصمد أمام أبسط معايير المنطق والإنسانية: الإدارة أغلقت أبوابها، والطبيبة المسؤولة غائبة، ربما تنعم بالراحة خارج حدود الإقليم، غير عابئة بمعاناة من هم تحت رعايتها.
في محاولة يائسة للحصول على قشة أمل، تواصلت العائلة المكلومة مع شخص يفترض أنه مسؤول – رقمه الهاتفي بات وثيقة إدانة – إلا أن رده كان صادمًا بقسوته: “أنا مسؤول عن الأموات لا غير”. وكأن القدر الذي ينتظره هذا الطفل البريء هو الموت، وليس العلاج.
وعندما لجأت العائلة، في خطوة أخيرة يائسة، إلى وسائل الإعلام لتسليط الضوء على هذه المهزلة الإنسانية، جاء الرد أكثر صدمة. اعتبرت الطبيبة المسؤولة – التي تخلت عن مسؤولياتها الأخلاقية والمهنية – هذا الأمر تهديدًا شخصيًا لها، مصرحة بعبارات نارية أنها “لن ترضخ لمثل هذه التهديدات”. وكأن إنقاذ حياة طفل بات تهديدًا يجب مقاومته!
هذه الحادثة الصادمة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات خطيرة حول مستوى الرعاية الصحية في بلادنا. أين الضمير المهني؟ أين الإحساس بالمسؤولية تجاه أرواح البشر؟ كيف يمكن لمنظومة صحية بأكملها أن تنهار أمام حالة طارئة لطفل يحتاج إلى عناية فورية؟
إن حياة طفل بريء معلقة الآن على خيط رفيع من الأمل، بسبب سلسلة من الإهمال والتقاعس والبيروقراطية القاتلة. هذا الوضع يستدعي تحقيقًا فوريًا وشاملًا من أعلى المستويات، ومحاسبة صارمة لكل من تخاذل عن أداء واجبه الإنساني قبل المهني.
يبقى السؤال الملح يتردد صداه في أروقة المستشفيات والمكاتب الصحية المغلقة: متى ستستيقظ ضمائر المسؤولين؟ متى ستتحمل السلطات المعنية مسؤولياتها وتضع حدًا لهذا العبث والاستهتار بأرواح المواطنين؟ أم أن حياة طفل بريء لا تساوي شيئًا في موازين البيروقراطية والامبالاة؟
إن الصمت عن هذه الحادثة – لأنها لا تقل عن كونها اهمال واضح – هو تواطؤ مع الظلم وإهدار لحق أساسي من حقوق الإنسان: الحق في الحياة والرعاية الصحية. فهل من مجيب؟
علما أننا على يقين بأن “حتى حاجة مغ توقع لان قيمة المواطن في مواجهة المسؤول صفر”.