محمد الزرقطوني : قصة بطل المقاومة المغربية التي ارعبت المستعمر الفرنسي (الجزء الأول)

الشهيد محمد الزرقطوني

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في شوارع المدينة القديمة بالدار البيضاء، وفي أزقتها الضيقة، نشأ بطل من أبطال المقاومة المغربية. إنه محمد الزرقطوني، الرجل الذي أصبح اسمه مرادفًا للنضال ضد الاستعمار الفرنسي في المغرب. لكن من هو محمد الزرقطوني؟ وما هي قصته التي تشبه في نهايتها فيلمًا سينمائيًا أو قصة بطولية؟

النشأة والتكوين

ولد محمد الزرقطوني عام 1927 في درب السويني بالمدينة القديمة بالدار البيضاء. كان والده مقدمًا للزاوية الحمدوشية في المدينة القديمة. بدأ الزرقطوني تعليمه في حي السويني، حيث تعلم القرآن الكريم على يد الفقيه سي علي. تخرج من المدرسة القرآنية عام 1941.

في تلك الفترة، كانت الساحة السياسية تشهد حراكًا كبيرًا، خاصة من قبل حزب الاستقلال والوطنيين بشكل عام. في عام 1944، تم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال. في هذه الأثناء، التحق محمد الزرقطوني بالمدرسة العبدلاوية، التي كانت سببًا في احتكاكه بالعمل الوطني، ومن ثم انفتاحه على العمل السياسي.

كان الزرقطوني يثور ضد العنصرية الفرنسية تجاه المغاربة والتمييز بينهم وبين الفرنسيين. في سن السابعة عشرة، كان مولعًا بكرة القدم. ومع نموه، أصبح هو من يمثل والده في العائلة، حتى أن إخوته كانوا ينادونه بـ”الصغير”.

بداية النضال

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، دخلت الحركة الوطنية في المغرب منعطفًا جديدًا نحو الاستقلال. في عام 1945، وهو في الثامنة عشرة من عمره، قرر والد الزرقطوني أن يزوجه. تزوج الزرقطوني في نفس العام، وفي عام 1946 رزق بابنته الأولى، بديعة، التي توفيت بعد عام واحد بسبب مرض الحصبة.

سكن الزرقطوني في البداية في الزاوية قبل أن ينتقل إلى درب حمان قرب مقبرة اليهود. لكن بعد سنوات من الزواج، توفيت زوجته هبة مباشرة بعد ولادة ابنهما شوقي. عمل الزرقطوني في البداية بائعًا للثياب في باب مراكش، ثم عمل في تجارة الخشب مع شخص يدعى الصحراوي. في هذه الفترة، بدأ نشاطه مع حركة المقاومة.

تأسيس المقاومة المسلحة

في منتصف الأربعينيات، دخل المغرب في مجاعة بعد أن أرسلت فرنسا المغاربة الذين انخرطوا في جيشها هربًا من المجاعة. لكن الفرنسيين لم يكتفوا بنقل المغاربة فقط، بل قاموا في ظل أزمتهم التي سببتها الحرب العالمية الثانية بتصدير مؤن المغاربة ومحاصيلهم إلى فرنسا.

في هذا السياق، بدأ الزرقطوني في استقطاب الشباب الذين تقاطعت معهم نفس القناعات الوطنية. كان هدفه إنشاء خلايا مقاومة مسلحة ضد الاستعمار. بدأت مرحلة التدريب، وتدبير الأسلحة والمسدسات، إما عن طريق سرقتها أو عن طريق جنود أجانب كان هدفهم المادي فقط.

بدأوا التدرب في غابة واد النفيفيخ ضواحي المحمدية. كانوا يذهبون على أقدامهم أو تحت غطاء الكشفية الحسنية لتجنب إثارة الفضول. وضعوا خطة استراتيجية للقاء والتواصل فيما بينهم، واعتمدوا ما سمي بـ”القانون المحروق”، حيث كانوا يكتبون قانونهم الداخلي على أوراق، وبعد حفظه عن ظهر قلب، يحرقون هذه الأوراق حتى لا يبقى لها أي أثر.

المطاردة والعمليات الفدائية

بعد أربع سنوات من التدريب وسط الغابة على استخدام السلاح، أصبح الزرقطوني أحد أشهر المطلوبين في المغرب. أسس مجموعة “القانون المحروق” التي انقسمت إلى مجموعتين، وكل مجموعة بدورها انقسمت إلى مجموعات أخرى. كل مجموعة لم تكن تعرف عناصر المجموعات الأخرى.

كبرت شبكة محمد الزرقطوني وأصبحت لها خلايا في مراكز ومدن مهمة ذات دلالات وخلفيات تاريخية في الاستعمار، مثل الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش وبني ملال والأطلس المتوسط. أعطى لكل شخص المهام التي يتميز فيها. لم يكن الجميع موجهًا للمقاومة المسلحة المباشرة؛ فكان هناك من هو مكلف بطباعة وتوزيع المنشورات، ومن هو مكلف بحرق الحافلات ومخازن المحروقات والخشب، ومن هو مكلف فقط بقتل الخونة وتهديدهم، ومن مهمته تقتصر على توفير الحماية للهاربين أو المطلوبين.

أصبح الزرقطوني بمثابة وزير الدفاع، يتولى توجيه وإعطاء الأوامر لهذه المجموعات بمختلف مهامها. بدأت مرحلة السرية والبحث والمطاردة للزرقطوني منذ اليوم الذي تكلف فيه بالتخطيط لحفل إحياء ذكرى عيد العرش بالمدينة القديمة، حيث استقدم صحفيين من أمريكا اللاتينية وتمت ترجمة جميع الرسائل في هذا الحفل عن طريق سليمان العرايشي.

نهاية البطل

استمر الزرقطوني في قيادة المقاومة المسلحة، منفذًا العديد من العمليات ضد الاستعمار الفرنسي والخونة المتعاونين معه. كان يتنقل بين المدن، مخططًا لعمليات اغتيال وتفجير، ومطوّرًا أساليب المقاومة. 

إلا أن تمكنت السلطات الفرنسية من إلقاء القبض عليه بسبب الخيانة. وعلى الرغم من إحكام قبضتهم عليه إستطاع أن يتناول جرعة من السم قبل تسليم نفسه لهم عند محاصرة بيته لتجنب التعذيب والاعتراف بأسرار المقاومة. 

هكذا انتهت قصة محمد الزرقطوني، البطل الذي تحول من شاب عادي إلى رمز للمقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي. تركت حياته وأعماله أثرًا عميقًا في تاريخ المغرب ونضاله من أجل الاستقلال.

لكن دعونا نحكي لكم عن بطولاته و عن معاناة المستعمر الفرنسي مع هذا البطل رحمه الله في الجزء الثاني إن شاء الله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!