المصطفى الجوي – موطني نيوز
في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقتنا العربية، يجد المواطن العادي نفسه غارقاً في بحر من المعلومات المتضاربة والتحليلات المتناقضة. وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري : كيف يمكننا فهم الواقع بموضوعية وسط هذا الكم الهائل من التشويش الإعلامي؟
لنبدأ بتحليل الظاهرة وأعني بالقول نظرية المؤامرة التي باتت تلازم الكائن العربي كيفما كان مستوى تعليمه. فكرة أن الناس يصرخون قبل كل ضربة “أين الرد الإيراني؟”، ثم يصفون كل رد بأنه “مسرحية” بعد حدوثه، تعكس بوضوح آلية من آليات التلاعب الإعلامي التي تحدث عنها المفكر الأمريكي “نعوم تشومسكي”.
تشومسكي، في نظريته عن “الفلاتر الخمسة للإعلام”، يشير إلى أن وسائل الإعلام تستخدم عدة تقنيات للتأثير على الرأي العام، ومن بينها ما يُعرف بـ “التشتيت” أو “الإلهاء” (Distraction). هذه التقنية تهدف إلى تحويل انتباه الجمهور عن القضايا الجوهرية إلى قضايا ثانوية، أو حتى افتراضات مثيرة ولكنها غير جوهرية.
لنأخذ مثالاً على ذلك : عندما تقوم إسرائيل باغتيال شخصية بارزة في المقاومة كما فعلت مع سماحة الشيخ حسن نصر الله أو إسماعيل هنية، قد يلجأ الإعلام المضلل بما فيه العربي إلى ترويج نظرية مفادها أن إيران هي من “قدمت” هذه الشخصية كـ “كبش فداء”. هذه الفرضية، رغم إثارتها، تهدف في الحقيقة إلى :
1. صرف الانتباه عن الفاعل الحقيقي للجريمة (إسرائيل في هذه الحالة).
2. خلق انقسام في صفوف المقاومة وأنصارها.
3. تشويه صورة إيران وحلفائها في المنطقة بزرع الفتنة بين الشيعة و السنة.
ولكن السؤال الأهم هنا : لماذا تلجأ بعض وسائل الإعلام إلى هذه التكتيكات؟ هنا يأتي دور “فلتر الملكية” الذي تحدث عنه “تشومسكي”. فمن المهم أن نسأل أنفسنا : من يملك وسائل الإعلام التي نتابعها؟ وما هي مصالحهم وأجنداتهم؟
لنفترض، على سبيل المثال، أن إحدى الدول العربية تسعى للتطبيع مع إسرائيل. ستواجه هذه الدولة انتقادات شديدة من شعبها ومن الشعوب العربية الأخرى. فما الحل؟ قد تلجأ هذه الدولة إلى استخدام وسائل إعلامها للترويج لفكرة أن “الجميع خونة”، وأن إيران “تتاجر” بالقضية الفلسطينية، وأن ردودها مجرد “مسرحيات”. الهدف هنا هو خلق حالة من الإحباط العام، بحيث يصبح التطبيع “أهون الشرور” في نظر المواطن العادي.
ومن ناحية أخرى، إذا كان المتلقي يحمل مسبقاً موقفاً سلبياً تجاه إيران باعتبارها دولة شعية – ربما لأسباب طائفية أو بسبب التعرض المستمر لخطاب إعلامي معادٍ – ولتحريف الحرب الازلية بين علي و معاوية والقليل منا من يفهم التاريخ و يقرأه. فإنه سيقع بسهولة في فخ ما يُعرف بـ “التحيز التأكيدي” (Confirmation Bias). أي أنه سيميل إلى تصديق أي معلومات تؤكد معتقداته المسبقة، حتى لو كانت هذه المعلومات مشكوك في صحتها.
وبالتالي من المهم أن ندرك أن الحقيقة غالباً ما تكون أكثر تعقيداً مما تصوره لنا وسائل الإعلام. فإيران، كما ذكرت بحكمة، ليست عدواً للعرب، ولكنها في الوقت نفسه ليست “المخلص” الذي سيحل كل مشاكل المنطقة. إنها دولة لها مصالحها الخاصة، والتي قد تتقاطع أحياناً مع مصالح الشعوب العربية في مواجهة العدو المشترك الا وهو الشيطان الأمريكي الصهيوني والمطبلين لهما من العرب المستعربة.
الخلاصة هي أنه علينا، كمستهلكين للإعلام، أن نطور قدرتنا على التفكير النقدي. علينا أن نتساءل دائماً : من يقدم لنا هذه المعلومات؟ ولماذا؟ وما هي المصالح الكامنة وراء هذا الخطاب الإعلامي؟ فقط من خلال هذا الوعي النقدي يمكننا أن نشق طريقنا وسط هذا البحر المتلاطم من المعلومات، ونصل إلى فهم أعمق وأكثر موضوعية للواقع المعقد الذي نعيشه. وإلا فإننا سنحكم على أنفسنا بأن العالم يتقاسمه المسلمين و المسيحيين و اليهود و الشيعة وعندما ندرج اسم الشيعة وكأننا نتحدث على ديانة أخرى غريبة. في حين أن آخر حرب رئيسية خاضها العرب ضد إسرائيل بشكل جماعي كانت حرب أكتوبرعام 1973، والتي تُعرف أيضًا باسم حرب “يوم الغفران” أو حرب “رمضان”.
انتهت بوقف إطلاق النار في 25 أكتوبر 1973. وأدت إلى مفاوضات سلام بين مصر وإسرائيل، انتهت باتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978. استعادت مصر سيناء تدريجيًا، لكن الجولان بقي تحت السيطرة الإسرائيلية، ولم يقوى العرب السنة على استرجاع الأراضي المحتلة، وبمعنى آخر أنه مر وحتى حدود اليوم أزيد من نصف قرن إختفى ساعتها العرب السنة عن الدفاع عن القضية الفلسطينية بإستثناء من ننعتهم اليوم بالشيعة، هذه الطائفة الموحدة بالله و المسلمة و التي يصورها الاعلام الصهيوني و بعض المتصهينين من العرب على انهم سبب المشاكل لإلهائنا عن القضية الاساسية و التي لم يدرجها العرب عند إتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978.
وفي الموضوع القادم سأتطرق الى جذور الانقسام والقصة الحقيقية وراء نشأة مصطلحي الشيعة والسنة.