المصطفى الجوي – موطني نيوز
تعصف بأوروبا حمامات دمٍ كادت أن تُسقط مئات القتلى والضحايا، وربما أكثر. القارة العجوز جرّبت مرارًا أن تقف في مثل هذه المواقف عاجزةً مكلومةً، غير قادرة على فهم ما حدث. لكن هذه المرة، كما في مرات قبلها وربما بعدها، جاء من هو قادر على فهم ليس ما حدث فحسب، بل ما سيحدث.
بيدٍ من حديد، كان سيضرب بالمتفجرات والنار ويفكك أكثر الخلايا المتطرفة تعقيدًا وسريةً وقوةً، ليس فقط في دول أوروبا بل معها أمريكا. إنه جهاز الاستخبارات المغربي، يا سادة.
تقف أوروبا اليوم وهي لا تحاول فقط انتقاء كلمات الشكر والعرفان، بل لربما عليها أن تبحث عن طريقة لرد جميلٍ بات كبيرًا جدًا. وبالطبع، ذلك إن استطاعت إليه سبيلًا.
الأمر لا يرتبط فقط بإعلان الحرس المدني الإسباني تفكيك خلية وصفها بالإرهابية تنشط في عدة مدن إسبانية بالتعاون مع السلطات الأمنية المغربية، التي لعبت الدور الأساس في كشف الخلية ومن ثم وضعت مخطط تفكيكها وضربها. بل يرتبط بكثير من العمليات الكبرى لجهاز الاستخبارات المغربي في أمريكا وأوروبا.
وهنا لن نسرد ما تعلن عنه وتقوله وسائل الإعلام المغربية ولا حتى الرسمية منها، تلك التي تنقل ما يقوله مسؤولو الرباط. بل سنستعين بما تنشره وسائل إعلام الغرب وما تعلنه عواصم أوروبا.
ولتكن البداية مما أعلنه الحرس المدني الإسباني عبر موقعه الإلكتروني مؤخرًا: المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (أي المخابرات المغربية) تمكنت من كشف خلية إرهابية كانت تخطط لأعمال إرهابية كبيرة في إسبانيا. ووفقًا للمصدر الإسباني، فإن التنسيق بين الحرس المدني الإسباني والمخابرات المغربية أسفر عن تفكيك خلية مكونة من تسعة أشخاص في مدن عدة منها مدريد وملقا وكورنيل التابعة لبرشلونة، إضافة إلى مليلية التابعة للإدارة الإسبانية والتي تطالب الرباط باسترجاعها.
لم يكتفِ البيان الإسباني بهذا، بل تحدث عن أن تفكيك الخلية تم بعملية أمنية مشتركة، ما يشي بأن الوجود المغربي في العملية تعدى أن يكون مجرد مشاركة معلومات. أما المواد التي تم حجزها مع الخلية، فهي التي أظهرت أهمية تفكيكها مع التأكد أنها تعود لتنظيم داعش الذي كان يخطط لعمل كبير يتعدى نشر وترويج الفكر المتطرف والعمل على التجنيد والتحريض.
وبالطبع لم تكن هذه العملية الأولى ولن تكون الأخيرة بين الاستخبارات المغربية والإسبانية. إذ تقول مدريد على لسان كثير من مسؤوليها إن التنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا خلال السنوات الأخيرة أسفر عن تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية والشبكات الإجرامية.
ولنا أن نتذكر ما أفردت له تقارير إعلام إسبانيا مساحات ومساحات في عام 2023 عن تمكن المخابرات المغربية من تفكيك أكبر هيكل جهادي معروف في إسبانيا في مجال تجنيد الشباب والقُصّر.
كما أن عمل الاستخبارات المغربية في إسبانيا وأوروبا عمومًا لا يقتصر فقط على كشف وضرب وتفكيك الجماعات ذات الفكر المتطرف، بل يتعدى الأمر إلى تلك التي تنشط في مجالي تهريب المخدرات والاتجار بالبشر. ولهذا نرى كيف يتبادل المسؤولون الأمنيون الزيارات بين البلدين، آخرها زيارة المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية فرانسيسكو باردو كيراس إلى المغرب في مايو الماضي (أي العام الجاري 2024)، أجرى خلالها مباحثات مع المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي.
وغير بعيد عن إسبانيا، أي فيما تبقى من دول أوروبا، ما عاد مفاجئًا ظهور اسم استخبارات المغرب في لائحة الأجهزة الأمنية الرائدة في مجال التعاون الأمني مع كل القارة العجوز. ولعل إشادة بوخارست بجهود المغرب في عملية الإفراج عن رهينة رومانية العام الماضي (2023) ببوركينا فاسو ما هي إلا إضافة جديدة إلى سمعة الاستخبارات المغربية القوية.
وقبل رومانيا، كانت استخبارات المغرب الفاعل الأمني الحاسم في الإفراج عن عدد من الرهائن الأوروبيين بمنطقة الساحل، أبرزهم الألماني يورغ لانج الذي يعد أقدم الرهائن الألمان في المنطقة، حيث اختُطف غرب النيجر سنة 2018 قبل أن تتدخل المخابرات المغربية بعد حصولها على معلومات تفيد بوجوده على قيد الحياة.
وفي عام 2021، يذكر الجميع ما سال من حبر وشكر في صحف فرنسا عندما جنبت مخابرات المغرب الفرنسيين الوقوع في حمام دم بعد الحصول على معلومات دقيقة من المغرب حول مشروع إرهابي كان سيستهدف إحدى الكنائس الفرنسية.
وإن عدنا بالذاكرة قليلًا إلى الوراء، وتحديدًا إلى عام 2015، سنرى كيف كانت المخابرات المغربية كلمة السر في حل لغز عبد الحميد أبا عود، البلجيكي الجنسية، إذ حيّر حينها أجهزة الاستخبارات الفرنسية لوقت طويل بعدما كان على رأس هجمات باريس في عام 2015، قبل أن تكشف الرباط عن موقعه الصحيح في فرنسا التي أرسلت قوات قضت على خليته بعدما اعتقد الجميع أنه كان في سوريا وليس في فرنسا.
وإن أمعنا فيما تنشره صحف الغرب أكثر وأكثر، سنرى أن أمريكا أيضًا هي الأخرى شاهدة على حنكة العمل الاستخباراتي المغربي. ومن بين ما تحدثت عنه صحف أمريكا اكتشاف مخطط إرهابي لأحد الجنود الأمريكيين المتطرفين سنة 2021، الذي كان يستعد لشن هجمات دموية داخل الجيش الأمريكي، إضافة لتسليم الرباط واشنطن هاكر فرنسيًا مسؤولًا عن اختراق 60 شركة عالمية.
وهكذا تستمر لائحة الجهود الاستخباراتية المغربية لتظهر الدور المركزي الذي يلعبه المغرب على الساحة الأمنية الدولية، ما يفسر حرص عواصم الدول على تعزيز أشكال هذا التعاون مع المملكة المغربية جراء الخصوصية المغربية في دحر نشاط الجماعات الإرهابية وكبح نشاط الجريمة المنظمة.
وهو ما أعطى المخابرات المغربية مكانًا ضمن أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم، وذلك وفقًا لما ورد في وثائق وشهادات كبريات الأجهزة الأمنية عبر العالم على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وجهاز الأمن الداخلي بفرنسا والمكتب الاتحادي لحماية الدستور بألمانيا.
ومن هنا يمكن فهم ما تذهب إليه تقارير استخباراتية غربية من أن العمليات الاستخباراتية التي يظهر فيها اسم المغرب كفاعل حاسم في حلها لطالما كانت تأتي وسط ظروف معقدة تتطلب السرية التامة والتدخل الميداني الفعال والحصول على المعلومات بشكل دقيق. وهي كلها مراحل تتطلب مهارة استخباراتية عالية الدقة ولا تقبل وجود أي خطأ على الإطلاق.
وهذه أعمال، وفقًا لتقارير الغرب، تجيد تنفيذها استخبارات المغرب جراء اعتبارات عدة، بينها القدرة الكبيرة على جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية وقدرتها على العمل مع مختلف أجهزة الاستخبارات سواء الغربية أم العربية أم الأفريقية، إضافة إلى الإدارة المشتركة للشأن الديني التي أوكلت إلى المغرب في أوروبا. وهو ما أتاح لأجهزة الاستخبارات المغربية اختراق وتعقب وتجنب العمليات الإرهابية سواء للتنظيمات أم الخلايا النائمة أم حتى الذئاب المنفردة.
أما الدليل الأخير والأهم الذي يمكن سوقه اليوم على أهمية استخبارات المغرب لكل أوروبا، فهو طلب فرنسا رسميًا مشاركة المغرب في تأمين أولمبياد باريس الذي يعد حدثًا ذا مخاطر عالية جدًا نظرًا للتهديدات التي تواجهها فرنسا عادة.
وبعد كل هذا، يمكن فهم لماذا كان الحديث منذ البداية أن على أوروبا فعلًا أن تفكر بالطريقة التي يجب أن ترد بها الجميل لاستخبارات المغرب.
إن الدور الذي تلعبه الاستخبارات المغربية في الساحة الدولية يتجاوز مجرد التعاون الأمني التقليدي. فهي تقدم خدمات استثنائية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتساهم بشكل فعال في حماية أمن أوروبا وأمريكا.
لقد أثبتت المخابرات المغربية قدرتها على التعامل مع أعقد القضايا الأمنية، وذلك بفضل خبرتها الواسعة وشبكتها الاستخباراتية المتطورة. وقد أصبحت شريكًا لا غنى عنه في العديد من العمليات الأمنية الحساسة، سواء في مجال تفكيك الخلايا الإرهابية أو في عمليات إنقاذ الرهائن.
إن نجاح الاستخبارات المغربية في هذه المهام الصعبة يعود إلى عدة عوامل، منها:
1. القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية بدقة عالية.
2. المهارة في تحليل وتفسير هذه المعلومات بشكل فعال.
3. القدرة على التنسيق والتعاون مع مختلف الأجهزة الأمنية حول العالم.
4. الخبرة في التعامل مع القضايا الأمنية المعقدة في مناطق مختلفة.
ولعل أحد أهم الأسباب وراء نجاح المخابرات المغربية هو قدرتها على فهم وتحليل الجوانب الثقافية والاجتماعية المرتبطة بالإرهاب والتطرف، خاصة في المجتمعات الإسلامية في أوروبا. وهذا ما يجعلها قادرة على تقديم رؤى وحلول فريدة قد تعجز عنها الأجهزة الأمنية الأوروبية.
في ضوء هذه الإنجازات والخدمات التي قدمتها المخابرات المغربية، يبدو أن الوقت قد حان لأوروبا وأمريكا لإعادة النظر في طبيعة علاقاتهما مع المغرب. فلم يعد الأمر مجرد تعاون أمني عادي، بل أصبح شراكة استراتيجية تستحق التقدير والاعتراف على أعلى المستويات.
وربما يكون من المناسب التفكير في آليات جديدة لتعزيز هذه الشراكة، سواء من خلال زيادة التعاون في مجالات أخرى، أو من خلال دعم المغرب في قضاياه الإقليمية والدولية. فالأمن، في نهاية المطاف، هي مسؤولية مشتركة، والنجاح في مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة يتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف.
وبالتالي، يمكن القول إن الدور الذي تلعبه الاستخبارات المغربية في حماية أمن أوروبا وأمريكا هو دور محوري وحيوي. وإن الاعتراف بهذا الدور وتقديره بالشكل المناسب سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن والاستقرار العالمي في مواجهة التحديات المتزايدة التي يشهدها عالمنا اليوم.