ضربة إسرائيل لشبكة حزب الله تحول استراتيجي في الشرق الأوسط و العالم

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

منتهى الإهانة والتحدي ما حصل في تاريخ الصراع بين حزب الله وإسرائيل. الذي كنا نظنه استثناءً ويوماً سيمر، تكرر ثاني يوم. الأجهزة اللاسلكية لحزب الله انفجرت لليوم الثاني على التوالي. السيد حسن نصر الله، في أخطر تصريحاته، قال إن ما حدث إعلان حرب، وإيران أعلنت التأهب في صفوف الحرس الثوري. هذه معركة وجود.

أسرار خطيرة تُنشر لأول مرة عن شبكة اتصالات حزب الله، سلاح إشارة حربي بالكامل في يد الحزب داخل لبنان وسوريا والعراق. معلومات حصرية بخصوص التفجيرات امتدت لسوريا والعراق بالأدلة. هل تعلم أن حزب الله حارب ثلاث مرات لعدم خسارة هذه الشبكة؟ وما هو مستقبل لبنان بعد هذه الكارثة؟ وما موقفنا في المغرب من ثورة غير مسبوقة في الحرب السيبرانية؟

حصريات من بيروت ودمشق وطهران، من قبل ما تبقى من قلب القدس أو الرباط. في الوقت الذي كان السيد حسن نصر الله، قائد ميليشيا حزب الله، يلقي خطاباً مؤثراً يحاول فيه استعادة تعاطف وسمعة حزبه بعد يومين من الاختراق التقني الذي دمر شبكة اتصالات التنظيم، اخترق طيران العدو حاجز الصوت فوق بيروت. قبل ذلك، كان العدو يوقف كل عدوانه ليستمع إلى الخطاب ويفهم رد فعل ما يسمى بمحور المقاومة. اليوم، يا حسن، عندما تتكلم، يخترق العدو الأجواء بالطائرات فوق عاصمة لبنان ويستبيح جو بيروت وأنت تلقي خطابك.

العدو رمى بالونات حرارية على الضاحية الجنوبية، وهي الأحياء الشيعية في بيروت. الهيبة ماتت وتمرغت في التراب يا حسن، وهذا نتيجة لحسابات إقليمية رخيصة بدأت منذ أن فوتت إيران فرصة إنهاء ولاية رئيسها إبراهيم رئيسي، وبعد ذلك أرسلت إسماعيل هنية إلى قلب طهران. وبالأمس، ظهرت صور لجهاز البيجر بجوار رئيسي، مما يعني أنه من الوارد جداً أن تكون العملية تمت بنفس طريقة تفجير الأجهزة التي حدثت في لبنان.

لكن يبدو أن صفقاتهم ومصالحهم مع أمريكا وأوروبا أولى، وأنت يا سيد حسن أصبحت ورقة محروقة جابت ثمنها ولم تعد تصلح للعب بها، كفى. بالأمس الرئيس، واليوم هنية، وغداً السيد حسن نصر الله. بالأمس غزة، واليوم لبنان، والغزو الإسرائيلي للبنان مسألة وقت. وبعض المحللين يقولون إنها مسألة ساعات فقط.

هذا الاستفزاز الإسرائيلي الواقع يحتاج إلى دراسة أكبر. قبل ذلك، كانت إسرائيل حذرة جداً مع حزب الله بشكل يصل إلى حد الخوف. كان حزب الله هو يد إيران التي تعاقب إسرائيل لو خالفت أي تفاهمات أمريكية-إسرائيلية-إيرانية من خلف الستار. الآن، أصبح الحزب خارج حسابات إسرائيل. والسؤال المهم هنا: لماذا؟

لأن ضربة 17 و18 شتنبر، عندما تمت تصفية شبكة اتصالات حزب الله، ضربت عصب حزب الله. نعم، وأكثر من تصورك. بل هو موت إكلينيكي للحزب وهزيمة مسبقة قبل أن تبدأ الحرب. هذه الشبكة بدأ حزب الله، بدعم إيراني، في بنائها عام 1990. ليست مجرد أجهزة لاسلكية فقط، ولكن لها شبكات سلكية تحت الأرض قادرة على دعم الاتصال اللاسلكي. هذه الشبكة متصلة بمنظومة الهاتف الخاص والعمومي في مجمل لبنان. كانت هذه الشبكة سر حزب الله الذي انكشف فجأة.

كانت هذه الشبكة رأس حربة انتصار حزب الله في الجنوب وانسحاب إسرائيل عام 2000 من جنوب لبنان، وكانت الانتصار الوحيد لحزب الله في حرب 2006 أنه عرف كيف يحافظ عليها. في عام 2008، حاول رئيس الجمهورية بالوكالة ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة تطبيق القانون بأنه لا يوجد شيء اسمه دولة داخل دولة، وأن شبكة كهذه تكشف كل اتصالات شعب لبنان لمخابرات إيران وسوريا ومخابرات حزب الله. وأصدر قراراً بحل شبكة اتصالات حزب الله وتفكيك أعمدة الاتصالات اللاسلكية في أكثر من منطقة يسيطر عليها الحزب.

ثار حزب الله في مايو 2008 في الأحداث التي نعرفها باسم انقلاب أيار 2008. نزلت ميليشيا حزب الله من جبال الجنوب على بيروت وجبل لبنان، بالإضافة إلى بعلبك وصيدا. جبل لبنان، معقل الموارنة والدروز الذي يعتبر خطاً أحمر على شيعة الجنوب، أصبح تحت احتلال شيعة حزب الله وحركة أمل، ومعهم الجناح اللبناني من الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومعهم عشيرة أرسلان من دروز لبنان بزعامة الأمير طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني.

هذه الكارثة أجبرت الدول العربية على التدخل فوراً وإنهاء أحداث 7 مايو 2008. تم تنفيذ الاقتراح المصري بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لفؤاد السنيورة، وإلغاء قرار تفكيك شبكة اتصالات حزب الله مقابل فض اعتصام ميدان رياض الصلح، الذي كان اعتصاماً صنعه حزب الله وشل البلد منذ صيف 2006. وبذلك انتصر حزب الله ومنع إلغاء شبكة اتصالاته. يعني حزب الله في عام 2008 احتل لبنان كلها من أجل الحفاظ على هذه الشبكة، الشبكة التي رأيتها تنفجر كألعاب الفيديو في دقائق معدودة.

السياسي اللبناني العتيد فارس سعيد قال إن حزب الله في واقع الأمر يمتلك سلاح إشارة وليس مجرد شبكة اتصالات. ووزير الاتصالات اللبناني السابق والرجل الثاني في الحزب الاشتراكي مروان حمادة قال إن الشبكة تمثل اعتداءً على أملاك الدولة لأنها تستخدم شبكات وكابلات شبكة الاتصال الحكومي وتم تعديلها لصالح شبكة حزب الله. يعني باختصار، كانت شبكة اتصالات داخل شبكة الاتصالات الرسمية للجمهورية اللبنانية. كل هذا انتهى وتم تفكيكه وإحراقه في أيدي عناصر حزب الله.

الشبكة لم تكن في أيدي عناصر عسكرية فقط، ولكن كل سياسيي حزب الله من رؤساء ووزراء وأعضاء برلمان كانوا على هذه الشبكة الاتصالات وليس لها أي بديل. وبالتالي، حالياً لا توجد أي وسيلة اتصال بين قيادة الحزب وكل رجاله العسكريين والسياسيين وحتى عملائه السريين في لبنان وسوريا والعراق. وأقول خارج لبنان لأن هذه الشبكة كانت مرتبطة بشبكة للميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا والعراق أيضاً.

بحيث حدثت سلسلة من الانفجارات المصغرة في سوريا وفي مقر الحشد الشعبي العراقي التابع لإيران داخل العراق. العراق تحديداً، حكومته الموالية لإيران عاشت حالة من الرعب، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني ونوري المالكي رئيس الإطار التنسيقي الذي يجمع كل الأحزاب الشيعية الموالية لإيران عقدوا اجتماعات لمراجعة إجراءات تأمين شبكات الاتصال التي بينهم. وواضح أن إيران نسخت شبكة حزب الله في كل دولة تسيطر عليها سواء في سوريا أو العراق، ومن يبحث سيجد أن اليمن أيضاً فيها شبكة مماثلة بين الحوثيين وحكومة صنعاء.

السيرك الذي أمامك هذا يوضح لك أن ما يسمى بمحور الممانعة هذا مجرد نكتة، وأي ضربات موجهة لإسرائيل كانت مجرد لعبة تبادل أدوار وتقاسم أدوار ليس أكثر. وزير الدفاع الأيرلندي مايكل مارتن قال تصريحاً في غاية الخطورة: “هذا شكل جديد من أشكال الحرب، وأعتقد أننا يجب أن نشعر بقلق بالغ إزاء ذلك، ويجب على المجتمع الدولي أن يفكر في طبيعة الهجوم”.

نعم، هذا مايكل مارتن رئيس وزراء أيرلندا الأسبق وحالياً وزير الدفاع والخارجية ونائب رئيس الوزراء في نفس الوقت، ومنتسب لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ويقول لك بشكل مباشر أن هذا شكل جديد من أشكال الحروب.

يعني هذه رسالة لأتباع محور الممانعة الذين يحاولون القول إن ما حدث أمر عادي، مع أنه ليس عادياً، وأنه عصر جديد في تاريخ الحرب الإلكترونية والحرب الرقمية والسيبرانية. ففي خطابه، قال نصر الله إن ضرب شبكة اتصالات حزب الله هو إعلان حرب، وتوقعي أن الحرب ستبدأ ولكن من إسرائيل وليس من حزب الله، وأن الموضوع كله خلال ساعات ستظهر ملامحه وليس خلال أيام، وأن حزب الله ليس أهلاً للمواجهة القادمة هذه، بل انهزم بشكل مسبق.

واضح أن هناك توجهاً دولياً لانتصار إسرائيلي ساحق وبشكل واضح وحاسم، وأن سياسة توزيع الأدوار بين إسرائيل وإيران ألغيت وأصبحت مرفوضة. ولابد أن تظهر إسرائيل منتصرة ومُنجزة في هذه الحرب من أجل سمعة الغرب، ومن أجل حقيقة أن إسرائيل هي الولاية الأمريكية رقم 51. إن مشهد اعتداء إسرائيل على لبنان وإيران ساكتة وواقفة تراقب هو أكبر إهانة لإيران وأكبر صفعة على وجه كل إيران منذ أيام ما يسمى بالثورة الإسلامية.

وهذا يوصلنا للحقيقة التي طالما قلناها لأتباع الممانعة، خاصة الطابور الخامس الإيراني وعشاقه في المغرب وباقي الدول العربية، أن إيران مجرد رقم من ورق اللعب. إيران لا تعرف كيف تدخل حرباً مباشرة أو مواجهة مباشرة أبداً، وأكبر دليل كانت هزيمتهم أمام العراق في الحرب الخليجية الأولى.

هم بارعون جداً في أنهم يركبوا على موجة الأحداث في المغرب وصراعه مع الجزائر وعصابة البوليساريو وبباقي الدول العربية. حيث تعرف كيف تعقد مؤتمر القومية العربية في لبنان أو سوريا ويهرول إليه المعجبين بها. هي تعرف كيف تخترق أتباع القومية العربية لدرجة أن البعث الاشتراكي السوري بنفسه حول سوريا إلى ولاية فارسية.

وطبعاً لا يوجد أكثر من كرديات الإسلام التي تحركها إيران ضد مصر والمنطقة منذ عام 1979. هم يعرفون كيف يصنعون من شعوب المنطقة ميليشيات وفرق وأحزاب مثل حزب الله والحوثيين وفاطميون وزينبيون. يعرفون كيف يجعلون طهران نقطة هروب للجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصرية وعناصر القاعدة وطالبان الهاربين من أفغانستان والعراق ومصر، وقريباً ستعرفون أن إيران لعبت نفس الدور مع داعش. دون أن ننسى العدد الكبير من المغاربة الدين تشيعوا في بلجيكا وحدها.

إيران كيان وظيفي في لعبة أمريكية، وسيأتي يوم وسيقرر الغرب أن إيران أصبحت ورقة محروقة وسيفجرونها في وجه المنطقة وروسيا، كما فعلوا مع العراق. وسيكون غزو إيران أسهل من العراق وأفغانستان، وتقسيمها أسهل بكثير لأنها بلد منقسم وعرق الفرس فيها أقلية أصلاً أمام البلوش والأذري والخراساني والكرد والعرب والأحواز وغيرها من شعوب الهضبة الإيرانية.

وسيظل المثقف العربي مجرد قطعة شطرنج طالما هو يراهن على أي بلد غير بلده. مرة يطبل للاتحاد السوفيتي، ومرة لإيران، ومرة لبعض الإرهابيين الذين يتطاولون على مصر والخليج العربي مثل حزب الله والحوثيين.

وسوف يظل المغرب هو الحقيقة الوحيدة في الشرق الأوسط و العالم العربي الذي كان لديه رؤية استباقية بأن الحرب السيبرانية على الأبواب. ورغم أزمته الاقتصادية، وبالمناسبة، المغرب متفوقة في مؤشر الأمن السيبراني الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات لعامي 2023 و2024 على عدد كبير من الدول الأوروبية وكل الدول العربية والأفريقية. حيث وضع المؤشر العالمي للأمن السيبراني لسنة 2024، الصادر حديثا عن الاتحاد الدولي للاتصالات، المملكة المغربية ضمن المستوى الأول (T1/ROLE –MODELLING) الذي يضم الدول الرائدة في مجال الأمن الإلكتروني التي تظهر التزاما قويا في تعزيز ركائزه الخمس التي اعتمدها المؤشر، وذلك إلى جانب 45 دولة أخرى من مجموع الدول التي شملها المؤشر، أبرزها الولايات المتحدة وأستراليا والدنمارك وألمانيا.

عزيزي المواطن، كفى رهاناً على أي أحد عابر في منطقتنا غير نفسك وبلدك وقواتنا المسلحة. قالوا لك زمان الاتحاد السوفيتي سيحارب لك أمريكا وإسرائيل. قالوا لك زمان عراق صدام حسين سينتصر. قالوا لك الآن كوريا الشمالية وبوتين والصين، وأن “النصر إلا صبر ساعة”. متى ستراهن على نفسك فقط؟ متى ستحترم نفسك؟ وتكون لك ثقة بقدرة بلادك؟.

عليك أن تفهم أن كل هؤلاء مجرد ممثلين. محور المقاومة أو محور الممانعة يتقاسم الأدوار مع إسرائيل وأمريكا ليس أكثر، ويوم ما يخرجون عن النص المرسوم لهم سيتم التخلص منهم كأي عميل وخائن. لم يحارب أحد غيرك، لم يحارب أحد مثلك، ولن ينتصر للقضية الفلسطينية غير أهل القضية، وما من دولة ستنتصر للفلسطينيين غير المغرب وحده. هذا هو التاريخ، هذا هو الواقع، هذه هي الحقيقة الوحيدة التي صدقها ليست تحليلاً ولا فلسفة ولا قراءة للموقف.

يا ليت شعوبنا تتوقف عن انتظار المدد من روسيا أو الصين أو كوريا أو حتى من إيران أو تركيا. كل هذه الدول لها مصالحها وأجنداتها. ابق أنت في بلدك وابتعد عن الذي يحاول أن يقول لك إن الوطنية تطبيل، ودعم الوطن أصبح ملسة. الفطرة السليمة والصحيحة هي أن تكون في ظهر بلدك وجيشك ضد العدو كيفما كان، ضد كل الشياطين التي تحاول أن تلعب بمصير بلدك وعرضك وشرفك وكرامتك ونساء بيتك، كما يحدث في دول أخرى حالياً دون ذكر أسمائها.

كل ما يحدث هو خدعة لصوص، ولن تكون الحرب حقيقية أبداً إلا إذا وقعنا في الفخ وذهبنا بأرجلنا إلى هذه الحرب. حاولوا استفزازنا مرة بدعم الجزائر و تدريب مرتزقة البوليساريو، ومرة بقذيفة على الحدود. هم وجهان لعملة بريطانية واحدة اسمها توظيف الدين في السياسة. انتبهوا لبلدكم وكونوا وراء جيشكم وفي ظهر ملكنا محمد السادس نصره الله. لم تكن الوطنية يوماً تطبيلاً، لم تكن الوطنية يوماً سبة، لم يكن دعم الحاكم الوطني الشريف والجيش الوطني يوماً مصدر كسب. حفظ الله المغرب من كل سوء وجعله كما يستحق أمة عظمى بين الأمم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!