المصطفى الجوي – موطني نيوز
في عام 2015، كشفت وثائق حصلت عليها ويكيليكس وبثتها قناة الجزيرة عن تعاون رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) وإيران للحصول على معلومات استخباراتية أدت إلى اغتيال 350 عالماً نووياً عراقياً و80 طياراً في عملية دقيقة استهدفت قتل العقل العراقي.
إحدى الوثائق تظهر طلب المالكي معلومات خاصة عن العلماء العراقيين وكيفية الوصول إليهم وتصفيتهم، وقد تم تسليم هذه الوثيقة إلى الموساد وإيران. وتكشف وثيقة أخرى تعود إلى عام 2007، تسربت من مكتب المالكي وموقعة باسمه، عن تنسيق مباشر بين الحكومة العراقية والحرس الثوري الإيراني لتصفية أفراد عراقيين، وخاصة أعضاء البرلمان.
توزعت ثلاثة أطراف في عملية وأد العقول العراقية التي بدأت في اليوم الثاني لسقوط بغداد:
1. الموساد، الذي أوفد مجموعات سرية إلى العراق لمطاردة العلماء والباحثين والمفكرين والأطباء، لا سيما الطاقمين النووي والكيميائي، وتصفيتهم بناءً على قرار اتخذ على أعلى المستويات في إسرائيل.
2. المخابرات الأميركية المركزية (CIA)، التي قدمت عروضاً مغرية للعلماء العراقيين للتعاون معها، منها تأمين عقود عمل لهم في الولايات المتحدة وضمان سلامتهم. والذين رفضوا هذه العروض تمّت مطاردتهم وتصفيتهم على مراحل.
3. فريق عراقي تلقى تعليمات بالانخراط في حملة التصفية بناءً على توجيهات خارجية.
اللائحة الأولى التي نُشرت، وضمت مئات العلماء العراقيين الذين تعرضوا للاغتيال، ظهرت في موقع إلكتروني عراقي هو “البيّنة”، والذي انفرد بنشر أسماء بضع مئات من الأكاديميين والباحثين الذين خُطفوا وقُتلوا في جامعات العراق، دون تعليق على اللائحة.
كل هذا حدث في مرحلة الحكم الانتقالي، مباشرة بعد سقوط بغداد، مع حديث مكثف في تلك الفترة عن دخول مجموعات من الموساد إلى مختلف المدن العراقية، بحماية الجيش الأميركي، بحثاً عن علماء الذرة العراقيين وأشهر علماء الكيمياء. في الفترة نفسها، تكتمت وزارة الداخلية العراقية على نتائج التحقيقات التي طالت المتهمين في عمليات الاغتيال ضد أصحاب الكفايات العلمية العراقية، في حين أطلقت السلطات الأميركية عدداً منهم ورفضت الكشف عن نتائج التحقيقات التي أجريت معهم.
في 15 مايو، نشرت صحيفة “المنار” الفلسطينية الأسبوعية أن الولايات المتحدة نقلت إليها أكثر من سبعين عالماً عراقياً، ودفعت بهم إلى معسكرات خاصة لضمان عدم تسريبهم لمعلومات أو معارف عسكرية إلى جهات تصفها الدوائر الأميركية بأنها “معادية” وتشكل خطراً على المصالح الأميركية.
رغم التعاون الوثيق بين الموساد وCIA في عملية التحضير للحرب على العراق، إلا أن صراعاً نشأ بين الجهازين حول استقطاب العلماء العراقيين بطرق خاصة إلى الداخل الأميركي وكذلك إلى الداخل الإسرائيلي.
تصريحات أدلى بها في 8 أبريل 2004 جنرال فرنسي متقاعد إلى القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي، أكد فيها أن أكثر من 150 جندياً من وحدات “الكوماندوس” الإسرائيلية دخلوا الأراضي العراقية في مهمة تستهدف اغتيال العلماء العراقيين الذين كانوا وراء برامج التسلح العراقية في أيام النظام السابق.
شهادة أحد قياديي بدر المنشقين عنها يكشف حقائق عن دور منظمة بدر في اغتيال العلماء والطيارين العراقيين. نصت خطة الغزو الأمريكي للعراق على تصفية جميع العلماء مع منح “المتعاونين” منهم بطاقة هجرة دائمة إلى أمريكا وبعض الامتيازات الأخرى. إن عمليات التصفية لم تطال العلماء النوويين فحسب، بل طالت غالبية الطبقة الوسطى والأطباء والضباط بما فيهم الطيارين، وكانت عملية منظمة للقضاء على موارد الدولة.
عند غزو بلد من قبل قوة قاهرة تهدف إلى محوه، تكون الخطة الأولى هي قصف العقول وتفكيك الدولة وتدمير مواردها، وهذا ما حصل بالتوافق مع أهداف إقليمية وأخرى عربية. تعرض العلماء العراقيون في معسكر كوبر في مطار بغداد وقصر “السجود” لمراحل طويلة من الاستجواب والاعتقال والتحقيق والتعذيب الجسدي المهين لإجبارهم على العمل في مراكز أبحاث أمريكية أو التعاون مع علمائها.
قدمت إسرائيل معلومات إلى لجنة مفتشي الأسلحة الدولية التي ترأسها هانز بليكس حينها. ومما قاله الجنرال الفرنسي: “إن مخطط الاغتيال هذا تم وضعه من قِبل مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، وأن لديه معلومات دقيقة عن الغرض المقصود منه، وهو تصفية العلماء الذين خططوا للقوة الصاروخية العراقية ووضعوا الأسس لها”.
بدأ تنفيذ هذا المخطط عندما قامت إسرائيل بقصف المفاعل النووي العراقي “تموز” في يونيو من العام 1981، ثم أعقبه استصدار واشنطن مجموعة من القرارات غير المسبوقة من مجلس الأمن تدعو إلى تدمير هذه البنية ونزع أسلحة العراق، واستغلال بوش لهذه القضية كمبرر لإعلان الحرب على العراق.
يقول الميجر جنرال (احتياط) عاموس يالدين، الذي كان طيارا خلال مهمة قصف مفاعل تموز وأصبح بعد ذلك رئيساً للمخابرات العسكرية الإسرائيلية: “لم يكن هناك تزود بالوقود في الجو، ولا GPS (نظام التموضع العالمي)، ولا أي من هذه التقنيات. كان على الطيارين التركيز”، مشيراً إلى أن حتى أصغر الحسابات الخاطئة قد تعني عدم وجود كمية كافية من الوقود للعودة.
قبل عملية أوبرا، تم جمع معلومات استخبارية بشكل متواصل من جانب إيران وبدعم من الموساد. إيران وإسرائيل تعاونتا استخبارياً بشكل متواصل حتى الثورة عام 1979، ولكن بحسب التقديرات، تم تبادل معلومات بين إسرائيل وإيران فيما يتعلق بالمفاعل النووي العراقي.
في الثاني من ديسمبر 1980، هبطت طائرة بوينج 707 تحت جنح الظلام في مطار مهرآباد بطهران. هناك، تسلم أحد أفراد الطاقم “حقيبة معدنية صغيرة، مكتوب عليها باللغة الإنجليزية “لا تستخدم الأشعة السينية” من الخارج”. تحتوي الحقيبة على الصور التي التقطتها إيران واستخدمتها القوات الجوية الإسرائيلية في عام 1981 لإجراء عملية أوبرا، وهي أول عملية عسكرية ناجحة لتدمير مفاعل نووي.
بوجه عام، اشترت إيران أسلحة بقيمة فاقت 500 مليون دولار في الفترة الواقعة بين عامي 1980 و1983، وذلك استناداً إلى معهد “يافي” للدراسات بجامعة تل أبيب. وتم سداد معظم هذا المبلغ عبر تسليم شحنات من النفط الإيراني لإسرائيل.
استناداً إلى صحيفة “صنداي تليغراف” اللندنية، ووثائق أمريكية تم الكشف عنها، استعانت إسرائيل بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية لمنشأة تموز. وكان هجوم “أوزيراك”، وفق المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية تريتا بارزي، قد نوقش من قبل ضباط إسرائيليين كبار ومندوب عن نظام الخميني في فرنسا قبل شهر من تنفيذه. في ذلك الاجتماع، شرح الإيرانيون تفاصيل هجومهم غير الموفق على الموقع في 30 سبتمبر 1980، ووافقوا على السماح للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في مطار إيراني بتبريز في حال الطوارئ.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون لمحطة (أن بي سي) أن تل أبيب زودت إيران بالأسلحة والذخائر لأنها اعتبرت أن العراق خطر على العملية السلمية في الشرق الأوسط. وأضاف أن بلاده شعرت بأن من المهم ترك نافذة صغيرة مفتوحة أمام احتمال إقامة علاقات جيدة مع إيران في المستقبل. وفي حين سعت إيران إلى إبقاء علاقاتها التجارية مع إسرائيل سراً قدر الإمكان، جنت إسرائيل بعض الفوائد من إذاعة خبرها على الملأ، بخاصة بعد أن قررت إدارة ريغان غض الطرف عن تعاملات إسرائيل مع إيران.
طالبت العناصر اليسارية في إيران بفتح تحقيق، لكن بعد استشعار آية الله الخميني الضرر الذي سيلحقه الكشف عن الاتصالات الإيرانية – الإسرائيلية بصورة إيران في العالم الإسلامي، تدخل شخصياً ووضع حداً للمطالبة بفتح تحقيق.
لا يمكن أن يستمر المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة إلا برديفه المشروع الفارسي، فهما خطان متوازيان. موت أحدهما يعني موت الآخر. أما أفلام هوليوود، فالمخرج أمريكي والسيناريو إسرائيلي والكومبارس إيران! والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين. قضي الأمر الذي به تستفتيان.