المصطفى الجوي – موطني نيوز
في المغرب، كما في العديد من الدول التي تجمع بين السلطة والثروة، يظهر بوضوح تأثير هذا التزاوج على المشهد السياسي والاقتصادي. هذا التزاوج ليس مجرد علاقة عابرة، بل هو شراكة متجذرة تحمل في طياتها ديناميات معقدة تؤثر بشكل مباشر على التنمية والعدالة الاجتماعية.
منذ الاستقلال، لعبت النخبة السياسية والاقتصادية في المغرب دورًا حاسمًا في تشكيل مسار البلاد. هذه النخبة لم تكتفِ بإدارة شؤون الدولة فحسب، بل نجحت في تعزيز سيطرتها من خلال تحالفات قوية مع رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال. هذا التحالف المتين أتاح للنخب الاقتصادية فرصة توسيع نفوذها وتعظيم أرباحها، مقابل تقديم الدعم السياسي والمالي للحكومات المتعاقبة والانخراط فيها.
تُدار الدولة بعقلية من يسعى للحفاظ على استقرار الوضع القائم، حيث يُمنح الأثرياء تسهيلات وإعفاءات تمكنهم من تعزيز مكانتهم الاقتصادية، بينما يضمن السياسيون بقاءهم في السلطة. هذا التزاوج، وإن كان يوفر نوعًا من الاستقرار، إلا أنه يبني في الوقت ذاته جدارًا عازلاً بين النخب وبقية فئات المجتمع.
لهذا فإن الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل رئيسي على قطاعات استراتيجية كالفلاحة والفوسفات والسياحة. ومع ذلك، فإن توزيع العائدات الاقتصادية غالبًا ما يكون محصورًا في أيدي فئة محددة من الشركات الكبرى التي تُدار من قبل النخب المتحالفة مع السلطة. هذا الاحتكار يحد من التنافسية ويجعل من الصعب على الشركات الصغرى والمتوسطة الدخول إلى السوق، مما يؤدي إلى تركز الثروة في أيدي قلة قليلة.
وفي الوقت الذي تُسوّق فيه الحكومة لمشاريع تنموية كبرى، يبقى المواطن العادي في انتظار نصيبه من هذه التنمية. فالنمو الاقتصادي، رغم أهميته، يظل غير متوازن بين مختلف مناطق البلاد، حيث تُركّز الاستثمارات في المدن الكبرى والمناطق السياحية، بينما تعاني المناطق القروية والنائية من نقص في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
لكن حينما تتشابك مصالح السلطة والثروة، يصبح من الصعب الحفاظ على مبدأ الشفافية والمساءلة. في كثير من الأحيان، تُتخذ القرارات الاقتصادية والاستثمارية بناءً على علاقات شخصية أو مصالح مشتركة بين النخب، مما يفتح الباب على مصراعيه للفساد والمحسوبية والزبونية. هذا الوضع يُضعف من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، ويزيد من التوترات الاجتماعية. ولعل ما نعيشه اليوم لنتاج لتراكمات خرجت للعلن فجأة.
فبرغم الجهود المبذولة لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المغرب ولا تزال تتسع بعد القضاء على الطبقة المتوسطة. لأن التنمية التي تركز على المدن الكبرى وتُهمل المناطق الريفية تزيد من تعميق هذا التفاوت. ففي الوقت الذي تحقق فيه بعض الفئات مكاسب اقتصادية ضخمة، يعاني الكثيرون من غياب فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية وما خفي أعظم.
هذه الفجوة تشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاجتماعي في البلاد. فالفئات المحرومة التي تجد نفسها مستبعدة من ثمار التنمية وثروات البلاد ومقدراتها تصبح أكثر إحباطًا، مما يدفعها إلى الاحتجاج والمطالبة بالتغيير او الانخراط في كل ما يعاقب عليه القانون ويسلب حريته، ومنهم من ارتمى في حضن البحار و المحيطات بحثا عن العيش الكريم.
فالشباب المغربي، الذي يمثل شريحة كبيرة من السكان، يواجه تحديات جسيمة في ظل هذه الظروف. فالبطالة ونقص الفرص والتمييز في توزيع الثروات والموارد كلها عوامل تجعل من الصعب على الشباب تحقيق طموحاتهم والمساهمة بفعالية في بناء مستقبل البلاد. رغم وعود الإصلاح والتطوير، يظل الواقع بالنسبة للكثير من الشباب مليئًا بالعوائق والصعوبات. مما يدفعهم الى افراغ مكبوتاتهم في الادمان بشتى اشكاله وتعدد اسمائه.
إن استمرار تزاوج السلطة والثروة دون اتخاذ خطوات جدية للإصلاح سيؤدي حتمًا إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. المطلوب هو إعادة النظر في طبيعة هذا التزاوج، والعمل على فصل المصالح الاقتصادية عن السلطة السياسية، لتحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة وضمان مشاركة أوسع للفئات المهمشة في التنمية.
إن تحقيق التغيير يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ودعمًا شعبيًا واسعًا من أجل بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا. فالاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يشعر الجميع بأنهم شركاء في الوطن، يتمتعون بحقوقهم كاملة، ويشاركون في صنع مستقبله. أما أن تتمتعون بالوطن وترموا لنا الوطنية فهذا ما لا يقبله العقل، رغم علمنا الراسخ بازدواجية جنسياتكم.
في نهاية هذا المقال، لا يسعني إلا التأكيد على أن التزاوج بين السلطة والثروة في أي مجتمع يجب أن يخضع لمعايير العدالة والإنصاف، لضمان تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. فالتاريخ علّمنا أن القوة المطلقة تُفسد، وأن تركز الثروة في أيدي قلة قليلة يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية، مما يهدد استقرار الأوطان ووحدتها.
إن العدالة في توزيع الثروات وتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع ليسا مجرد أهداف اقتصادية، بل هما أيضًا مبادئ سامية نادت بها كل الرسالات السماوية. وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية العدل في قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (سورة النحل: 90).
كما أن التذكير بأن المال والسلطة أمانة يجب أن تُستخدم بما يُرضي الله ويحقق الخير للجميع هو جزء لا يتجزأ من المسؤولية الملقاة على عاتق من يتولون زمام الأمور. وقد جاء في قوله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (سورة القصص: 77).
وعليه، فإن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من تطبيق هذه القيم والمبادئ، لتحقيق مجتمع يسوده العدل والمساواة، وكي يكون الوطن أرضًا خصبة للتنمية والسلام والرخاء لجميع أبنائه دون تمييز أو استثناء.