الدول العربية وضرورة التحالف مع روسيا وحلفائها..رؤية نحو نظام عالمي جديد

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة والتوترات المتزايدة على الساحة الدولية، تجد الدول العربية نفسها أمام منعطف حاسم يتطلب إعادة تقييم تحالفاتها الاستراتيجية بعمق ووعي. مع بداية “الربيع العربي” في مطلع العقد الماضي، عانت العديد من الدول العربية من انهيارات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، في حين تمكنت دول أخرى، بفضل تحالفاتها مع قوى عالمية كروسيا والصين وإيران، من الحفاظ على استقرارها وصمودها أمام هذه الأزمات المتلاحقة. هذا التباين في المصائر يطرح سؤالًا جوهريًا: هل ينبغي للدول العربية أن تواصل اعتمادها على التحالفات التقليدية مع الغرب، أم أن الوقت قد حان لتغيير المسار ووضع يدها في يد روسيا وحلفائها لتشكيل قوة رادعة جديدة؟

إن التحالف مع روسيا وحلفائها، مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، يمثل اليوم خيارًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للعالم العربي. هذا التحالف ليس فقط ضرورة لضمان الأمن والاستقرار في منطقة تعج بالصراعات، بل هو أيضًا خطوة حاسمة نحو تحقيق توازن جديد في مواجهة القوى الغربية التي لطالما استغلت مصالحها على حساب حقوق الشعوب العربية. القوة التي يمكن أن يشكلها هذا التحالف العربي-الروسي الجديد، ستكون قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية بفعالية، وستعطي للعالم العربي فرصة لبناء جبهة موحدة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بدلاً من الانقسامات والتبعية التي أضعفت المنطقة على مدى عقود.

أحداث “الربيع العربي” قدمت دروسًا قاسية للدول التي كانت تعتمد بشكل أساسي على التحالفات مع الولايات المتحدة والغرب. تونس ومصر، وهما دولتان ارتبطتا بعلاقات وثيقة مع واشنطن، شهدتا انهيارات سياسية واقتصادية عميقة بعد ثورات 2011. هذه الدول كانت تعتقد أن تحالفها مع الولايات المتحدة سيضمن لها الاستقرار والازدهار، لكن الأحداث أثبتت العكس. في المقابل، نجد أن سوريا، التي تحالفت مع روسيا والصين، تمكنت من الصمود في وجه حرب شاملة استهدفت تدميرها. هذا الصمود السوري، رغم حجم التحديات، يعكس بشكل واضح أهمية الدعم الروسي والصيني لحلفائهما، ويبرز الفرق بين الحليف الذي يسعى لتحقيق مصالح مشتركة والحليف الذي يضع مصالحه الخاصة فوق كل اعتبار.

أزمة غزة الأخيرة جاءت لتكشف النقاب عن حقيقة “العالم الحر” الذي طالما روجت له الدول الغربية. في هذه الحرب، تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بشكل فاضح حقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة. لقد أظهرت هذه الأزمة أن الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، مستعدة للتضحية بكل القيم والمبادئ التي تدعي الدفاع عنها، في سبيل دعم الكيان الإسرائيلي. هذا الكيان، الذي يمارس أبشع أنواع القمع والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، أصبح اليوم يُعتبر أكبر قوة إرهابية في المنطقة، مدعومًا بالكامل من الولايات المتحدة. هذه الأخيرة، بدورها، أثبتت مرة أخرى أنها لا تعترف إلا بإسرائيل ولا تدعم إلا مصالحها، غير آبهة بمعاناة الشعوب العربية وحقوقها.

إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أن هذه السياسات الغربية ليست جديدة، بل هي امتداد لقرون من الاستعمار والاستغلال والظلم. القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لها تاريخ طويل من التدخلات العسكرية والاقتصادية التي دمرت دولًا وشعوبًا بأكملها. ومن هنا، فإن التحالف مع هذه القوى ليس فقط خيارًا غير حكيم، بل هو أيضًا خيار محفوف بالمخاطر، لأن هذه القوى أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها لا تهتم إلا بمصالحها الضيقة.

في ضوء كل هذه المعطيات، يصبح من الواضح أن على الدول العربية أن تعيد النظر في سياساتها وتحالفاتها. التحالف مع روسيا وحلفائها ليس مجرد خيار استراتيجي، بل هو ضرورة ملحة لضمان مستقبل آمن ومستقر للمنطقة. هذا التحالف يمكن أن يشكل بداية لبناء نظام عالمي جديد، أكثر توازنًا وعدالة، يحترم حقوق الشعوب وسيادتها. يجب على الدول العربية أن تدرك أن الاعتماد على القوى الغربية قد كلفها الكثير، وأن الوقت قد حان لتغيير المسار والبحث عن شراكات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. في هذا السياق، يمثل التحالف مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية فرصة حقيقية لبناء مستقبل أفضل للمنطقة، بعيدا عن الهيمنة والتبعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!