المصطفى الجوي – موطني نيوز
في ظل الوضع الراهن للصحافة في المغرب، نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية تثير التساؤلات حول مستقبل حرية التعبير وجودة المحتوى الإعلامي في بلادنا. فالواقع المرير الذي يعيشه الصحفيون والإعلاميون، حيث يواجهون خطر الملاحقة القضائية لمجرد إبداء آرائهم تحت غطاء التشهير، يدفعنا إلى التفكير في عواقب هذا النهج على المجتمع ككل.
إن غياب الحرية الصحفية وتقييد حرية التعبير يخلق مناخًا من الخوف والرقابة الذاتية، مما يؤدي إلى انتشار ما يمكن وصفه بـ “ثقافة التفاهة”. فالصحفيون، خوفًا من الملاحقة القضائية، قد يلجأون بل لجأو بالفعل إلى تناول مواضيع سطحية وغير جوهرية، كتتبع أنشطة الأمن واعتقالاتهم للمهربين و المعربدين وتجار البوفا والمهرجانات والمواسم وكل ما يدخل في خانة التطبيل والتمجيد وتلميع الأحدية، متجنبين القضايا الحساسة والمهمة التي تمس حياة المواطنين وتؤثر على مستقبل البلاد.
هذا التوجه نحو “التفاهة” في المحتوى الإعلامي ليس خيارًا حرًا، بل هو نتيجة مباشرة للضغوط والقيود المفروضة على حرية الصحافة من قبل القضاء الذي لم يعد يدخر اي جهد في وضع الصحافيين وراء القضبان لإخراسهم وتكميم أفواههم. وهنا نتساءل : هل يمكن اعتبار الصحفي الذي يلجأ إلى هذا النوع من المحتوى “مواطنًا صالحًا” في نظر السلطات؟ أم أنه سيظل في نظرهم “تافهًا” لأنهم هم من دفعوه إلى هذا المسار؟ وهم من صنعوا منه مواطن مغربي تافه بإمتياز.
الحقيقة المؤلمة هي أن هذا النهج يضر بالمجتمع بأكمله. فالصحافة الحرة والمسؤولة هي ركيزة أساسية في أي مجتمع ديمقراطي، تساهم في كشف الحقائق، ومحاسبة المسؤولين، وتوعية الرأي العام. لكن عندما نحرم الصحفيين من حقهم في ممارسة مهنتهم بحرية ومسؤولية، فإننا نحرم المجتمع من أداة مهمة للتقدم والتطور. تماما كما هو الشأن بالنسبة لنواب الأمة في البرلمان الذين انسلخوا من وظيفة مراقبة الحكومة لتصبح وظيفتهم التصفيق لها.
إن الحل لهذه المعضلة لا يكمن في الاستسلام لثقافة التفاهة، بل في العمل الجاد والمستمر من أجل ضمان حرية الصحافة وحماية حقوق الصحفيين. يجب على المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، والصحفيين أنفسهم أن يتحدوا في مواجهة هذه التحديات، وأن يطالبوا بإصلاحات قانونية وتشريعية تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين من الملاحقات التعسفية. أو على الأقل تنزيل مضامين الدستور بإعتباره أسمى قانون في البلاد تنزيلا سليما. وتفعيل قانون الحق في المعلومة الذي ضل شكليا وبدون أي قيمة.
إن مجتمعًا يقمع صحافييه ويدفعهم نحو التفاهة (روتيني اليومي) و (الرقص على منصة تيكتوك) إلخ…
هو مجتمع يحرم نفسه من فرص التقدم والازدهار. فالصحافة الحرة والمسؤولة هي مرآة المجتمع وصوته، وبدونها نفقد القدرة على رؤية أنفسنا بوضوح ومواجهة تحدياتنا بشجاعة. لذا، فإن النضال من أجل حرية الصحافة ليس ترفًا، بل هو ضرورة ملحة لبناء مستقبل أفضل لبلادنا. لأن قمع الحريات داخل بلادنا والحمد لله هو من خلق جيشا من المعارضين خارج الوطن، والذي تصفهم الدولة بخونة الخارج في حين ان هي من دفعتهم دفعا الى ذلك.