المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قصر فارسي مهيب، حيث تتلألأ الثريات وتنتشر روائح العود والمسك، جلس كسرى، ملك الفرس وفيلسوفهم الأشهر، على عرشه المرصع بالجواهر. كان مجلسه عامراً بالوزراء والوجهاء، وفي عينيه بريق الحكمة والدهاء. فجأة، قطع الصمت بكلمات أثارت الدهشة والاستنكار: “علينا أن نصاهر العرب.”
ارتفعت أصوات الاعتراض كموج هادر، “كيف لنا نحن أصحاب الحضارة والمجد أن نتزوج من رعاة الإبل والحفاة العراة؟” هكذا صاح الحاضرون بغطرسة وتعالٍ. لكن كسرى، الملقب بأفلاطون الثاني لحكمته، لم يرد عليهم. كان يعلم أن الدروس العظيمة تُفهم بالأفعال لا بالأقوال.
مرت الأيام، وفي مجلس آخر حافل، أخرج كسرى من صندوق مزخرف عقداً فريداً، تتراقص على سطحه ألوان الياقوت والزمرد في تناغم ساحر. قيمته تفوق عشرين ألف دينار ذهبي. وبصوت هادئ واثق، أعلن: “هذا العقد لمن ينزع ثيابه أولاً.”
لم تمض لحظات حتى تحول المجلس إلى مشهد غريب، الوزراء والمستشارون يتسابقون في خلع ثيابهم، متجردين من كل كرامة، يتنازعون على من كان الأسرع. منظر أذهل كسرى وأكد له صحة رؤيته.
بعد فترة، استدعى كسرى حداداً عربياً بسيطاً. وأمام المجلس نفسه، عرض عليه عقداً مماثلاً بالشرط ذاته. لكن رد العربي كان صادماً للجميع: “والله لو وهبتني فارس بأكملها وجعلتني ملكاً عليها مقابل أن أخلع عمامتي، ما فعلت.”
في تلك اللحظة، تجلت حكمة كسرى. التفت إلى حاشيته نظرة ملؤها العتاب والإعجاب في آن واحد، وقال: “نحن الفرس نملك الملك والشجاعة، لكن ينقصنا الشرف الذي أردت مصاهرة العرب من أجله.”
هكذا، بمشهد واحد، استطاع كسرى أن يبرهن على عمق رؤيته وصواب قراره. فالكرامة والشرف، كما أظهر العربي البسيط، هي ثروة لا تقدر بثمن، وهي ما يجعل الإنسان إنساناً حقاً، بغض النظر عن ثروته أو منصبه. وبهذا الدرس البليغ، فتح كسرى عيون قومه على قيمة حقيقية جديرة بالاحترام والتقدير، مؤكداً أن الحكمة قد تأتي من حيث لا نحتسب، وأن العظمة الحقيقية تكمن في النفوس لا في المظاهر.
اين وردت هذه القصة
السلام عليكم، ادعوك لقراءة كتاب “العقد الفريد” من تأليف ابن عبد ربه الأندلسي