المصطفى الجوي – موطني نيوز
في صفحات التاريخ العربي، تتجلى صورة الفارس وفرسه كرمز للشجاعة والنبل. ولكن ما يغفل عنه الكثيرون هو العمق الاستراتيجي والحكمة الفريدة التي كانت وراء اختيار الخيول في ساحات الوغى. فللعرب في هذا المضمار نهج فريد يستحق التأمل والدراسة.
كان العرب، في غمار المعارك، يفضلون امتطاء ذكور الخيل. وما هذا إلا لما تتميز به من جَلَد وصبر، صفات لا غنى عنها في خضم القتال. أما الإناث، فكان يُتجنب استخدامها خشية أن يغلب عليها الشبق، فتحن إلى أصوات الفحول، مما قد يربك سير المعركة ويعرض الفرسان للخطر.
ولكن الأمر يختلف تماماً حين يتعلق بالإغارة والغزو المفاجئ. ففي هذه الحالات، كان العرب يلجأون إلى استخدام إناث الخيل، وذلك لسببين رئيسيين: أولهما أن الأنثى لا تصهل كالذكر، مما يوفر عنصر المفاجأة الضروري في الغارات. وثانيهما، وهو ما قد يدهش الكثيرين، أن الأنثى قادرة على التبول أثناء الجري، على عكس الذكر الذي يحبس بوله. وهذه ميزة استراتيجية لا يستهان بها في الغارات الطويلة.
ومن الجوانب المثيرة في هذا السياق، ما كان يلجأ إليه الفرسان العرب حين تحتم عليهم استخدام الإناث في الحروب. فقد كانوا يعمدون إلى خياطة مهابل أفراسهم. وإن بدا هذا الإجراء قاسياً للوهلة الأولى، إلا أنه كان يهدف إلى الحفاظ على نقاء سلالة خيولهم، ومنع تلقيحها بخيول غريبة.
هذا السلوك، في جوهره، يعكس قيمة أصيلة في الثقافة العربية، ألا وهي العزة والغيرة. فإذا كان العربي يغار على فرسه وهي من البهائم، فكيف به يغار على نسائه ووطنه؟ إنها لمحة عن عمق الشرف والكرامة المتأصلة في النفس العربية.
ولعل من أبرز ما يميز هذه القيم أنها لم تكن وليدة الإسلام، بل كانت متجذرة في الثقافة العربية قبل مجيئه. وما جاء الإسلام إلا ليصقل هذه القيم ويهذبها، كما يتضح من حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ومن مكارم الأخلاق التي عُرف بها العرب قديماً، الغيرة على الأعراض، ليس فقط أعراضهم بل وحتى عرض الجار. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عمق الترابط الاجتماعي والقيم الأخلاقية السامية التي ميزت المجتمع العربي.
في الختام، تبقى قصة الخيول في الحروب العربية شاهداً على براعة العرب في المزج بين الاستراتيجية العسكرية والقيم الأخلاقية. فهي ليست مجرد تكتيكات حربية، بل هي انعكاس لثقافة عريقة تقدر الشرف والكرامة، وتسعى دوماً للتميز والرفعة.