نجاح دبلوماسي مغربي : قرار الاتحاد الإفريقي يوجه ضربة دبلوماسية قوية لجبهة البوليساريو و حاضنتها الجزائر

الجزائر والبوليساريو

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في خطوة دبلوماسية بارزة، أصدر الاتحاد الإفريقي قراراً يقضي بحصر المشاركة في المحافل الدولية الكبرى على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. هذا القرار، الذي يعد انعطافة هامة في مسار القضية الصحراوية، يحمل في طياته تداعيات واسعة النطاق على المستويين الإقليمي والدولي، ويشكل ضربة دبلوماسية قوية لجبهة البوليساريو الارهابية وداعيميها.

ولفهم أبعاد هذا القرار وتأثيراته، علينا أن نتعمق في خلفياته وسياقه التاريخي والدبلوماسي. فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2016، سعت المملكة جاهدة إلى تعزيز موقفها داخل المنظمة القارية وتقليص نفوذ البوليساريو. وقد جاء هذا القرار كثمرة لجهود دبلوماسية مغربية مكثفة، استمرت لسنوات، وحظيت بدعم متزايد من العديد من الدول الإفريقية.

يستهدف القرار بشكل مباشر جبهة البوليساريو، كونها الكيان الوحيد العضو في الاتحاد الإفريقي دون أن يكون عضواً في الأمم المتحدة. وهذا يعني عملياً حرمان ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” من اكتساب أي شرعية عبر المشاركة في المؤتمرات الدولية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. كما يؤدي إلى تقليص وجودها على المستوى القاري إلى أدنى حد ممكن، واستبعادها من المؤتمرات المنظمة بين الاتحاد الإفريقي والدول والمنظمات الشريكة، خاصة المؤتمرات الاقتصادية الدورية.

هذا التطور الدبلوماسي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لتحول تدريجي في موازين القوى داخل الاتحاد الإفريقي. فقد نجح المغرب في كسب تأييد العديد من الدول الإفريقية المؤثرة، بعضها يساند بشكل صريح سيادته على صحرائه من خلال افتتاح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة. في الواقع، هناك 20 دولة إفريقية تمتلك تمثيلية دبلوماسية بين هاتين المدينتين، مما يعكس دعماً متزايداً للموقف المغربي.

لكن الأمر لا يقتصر على الدول المؤيدة للمغرب فحسب. فحتى بعض الدول المحايدة، وحتى تلك التي كانت تعترف سابقاً بما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، بدأت تدرك أن مصالحها السياسية والاقتصادية تكمن في التعاون مع المغرب. وقد ساهم في هذا التحول إدراك أن الاتجاه الداعم للحكم الذاتي في الصحراء يحظى بتأييد معظم الدول الكبرى التي لديها شراكات مع الاتحاد الإفريقي.

ردود الفعل على هذا القرار كانت متباينة ومثيرة للاهتمام. فقد أظهرت الجزائر وجبهة البوليساريو صدمة وغضباً شديدين. وصف محمد سيداتي، الذي يحمل صفة “وزير خارجية” الجبهة، القرار بأنه “سياسة إقصاء يمارسها المغرب ويروج لها بين دول الاتحاد الإفريقي”. من جانبه، عبّر وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، عن أسفه لما اعتبره “تكريساً لسياسة الإقصاء”، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بـ”إقصاء عضو مؤسس” للمنظمة.

هذا القرار لا يمكن فصله عن السياق الدبلوماسي الأوسع. فهو يأتي في إطار سعي الاتحاد الإفريقي لتجنب المواقف المحرجة التي واجهها في السابق. نذكر على سبيل المثال ما حدث في تونس عام 2022، حين أدى الضغط الجزائري إلى استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي، مما أثار أزمة دبلوماسية مع المغرب واليابان. كما نشير إلى تأجيل القمة العربية الإفريقية الخامسة في السعودية عام 2023، بسبب الخلاف حول مشاركة البوليساريو.

ويتماشى هذا القرار أيضاً مع توجه دولي أوسع. فقد سبق لروسيا، على سبيل المثال، أن طبقت نهجاً مماثلاً في قمتها الإفريقية الثانية، حيث اقتصرت الدعوات على الدول المعترف بها في الأمم المتحدة، رغم العلاقات الوثيقة بين موسكو والجزائر.

التداعيات المستقبلية لهذا القرار قد تكون بعيدة المدى. فهو قد يفتح الباب لمفاوضات جديدة حول قضية الصحراء بشروط مختلفة. كما أنه قد يؤدي إلى تغيير في مواقف بعض الدول الإفريقية تجاه القضية، خاصة مع تزايد الاهتمام بالفرص الاقتصادية والتنموية التي يمكن أن يوفرها التعاون مع المغرب.

في المقابل، يضع هذا القرار تحديات جديدة أمام الجزائر والبوليساريو. فهما مطالبتان الآن بإعادة تقييم استراتيجيتهما الدبلوماسية في ظل هذا الواقع الجديد. كما أن عليهما مواجهة صعوبات متزايدة في الحفاظ على الدعم الدولي لموقفهما، خاصة مع تنامي الاعتراف الدولي بأهمية الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب.

على الصعيد الاقتصادي، يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى تعزيز التعاون بين المغرب والدول الإفريقية والشركاء الدوليين. فمع إزالة العقبة الدبلوماسية المتمثلة في حضور البوليساريو، قد تصبح المؤتمرات والشراكات الاقتصادية أكثر سلاسة وفعالية.

هذا ويمثل قرار الاتحاد الإفريقي نقطة تحول هامة في مسار القضية الصحراوية. فهو يعزز الموقف المغربي بشكل كبير، ويقلص نفوذ البوليساريو على الساحة الإفريقية والدولية. هذا التطور قد يفتح الباب لديناميكيات جديدة في المنطقة، مع احتمال إعادة تشكيل التحالفات وتغيير في مسار المفاوضات المستقبلية حول القضية.

ومع ذلك، يبقى من المهم مراقبة كيفية تعامل الأطراف المختلفة مع هذا الواقع الجديد. فالتحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذا التحول الدبلوماسي إلى خطوات عملية نحو حل دائم وعادل للنزاع، يضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة. كما أن تأثير هذا القرار على المدى الطويل على استقرار المنطقة وعلاقاتها الدولية سيظل موضوعاً للمتابعة والتحليل في الأشهر والسنوات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!