المصطفى الجوي – موطني نيوز
السادة والسيدات متابعي موطني نيوز الكرام، أهلًا بكم في مقال جديدة من مقالاتنا بعيدا عن كل ما له علاقة بالتفاهة و التافهين. اليوم، سأتناول قصة مثيرة ومدهشة عن أحد أشهر المحتالين في تاريخ المغرب الحديث. إنها قصة الرجل المعروف باسم “سلطان باليما”.
في عالم مليء بالمفاجآت، تبرز أحيانًا شخصيات تترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة المجتمع. “سلطان باليما” هو واحد من هؤلاء. رجل عادي “أمي” استطاع بذكائه وجرأته أن يخدع الآلاف من المغاربة، بل ويصل احتياله إلى أعلى مستويات السلطة في المملكة المغربية وأعني المرحوم الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه.
فكيف استطاع رجل بسيط أن يتظاهر بأنه من العائلة الملكية؟ وكيف تمكن من خداع مسؤولين كبار وحتى الملك الراحل الحسن الثاني نفسه؟ وما هي الدروس التي يمكننا استخلاصها من هذه القصة المثيرة؟
في مقالنا اليوم، سنكشف لكم تفاصيل مذهلة عن حياة “محمد الوزاني” الذي أصبح فيما بعد يحمل لقب سلطان “باليما” هذا اللقب الذي أخذه من مقهى شهيرة، تعرف بمقهى “باليما” موجود بالطابق الأرضي لفندق “باليما” بشارع محمد الخامس أمام محكمة الاستئناف، قبل أن تتحول هذه المقهى الى مقر للبرلمان. وكيف بنى إمبراطورية من الأكاذيب والخداع، وكيف انتهى به المطاف. هذه القصة ليست مجرد سرد لأحداث الماضي، بل هي درس قيّم عن طبيعة المجتمع والنفس البشرية.
فاستعدوا، أعزائي القراء، لرحلة مثيرة في عالم الاحتيال والخداع، ولنتعلم معًا كيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا من أمثال سلطان “باليما” في المستقبل.
كان الحسن الثاني ملكًا عظيمًا. وفي إحدى المرات بعد الاطاحة بهذا النصاب، تحدث مع سلطان “باليما” قائلًا : كيف تستطيع خداع الناس الذين وثقوا بك؟ فأجاب : أنت يا سيدنا لديك 20 مليون من البقر (يقصد الشعب المغربي)، فلماذا لا يكون لدي 10 آلاف منهم؟ وهذه جرأة غير مسبوقة من نصاب ومحتال لا يعرف كتابة حتى إسمه.
كان المغاربة يحترمون سلطان “باليما” ويلقون عليه التحية، معتقدين أنه من العائلة الملكية الشريفة. كان يدخل مكاتب العُمّال والوزراء ومديرية الأمن بكل ثقة، وكان الجميع يعتقد أنه من العائلة الملكية.
في سابقة ولن تتكرر في تاريخ المغرب، قام سلطان “باليما” ببيع صومعة حسان في الرباط، وباع الكتبية في مراكش، وحتى المدافع الموجودة في الوداية التي لا تُباع أصلًا. كان يدّعي أنه ابن عم الملك الحسن الثاني، وكان رجال المخزن يقبلون يديه، والشرطة تحييه. كان يتجول في المحلات التجارية في الرباط ويأمرهم بتجهيز الخبز للقصر، وكان الجميع يصدقه.
لم يقتصر الأمر على الناس العاديين، بل شمل رجال الشرطة والقوات المساعدة والبرلمانيين، وحتى إدريس البصري، رئيس المخابرات في الرباط، الذي كان يعتقد أنه من العائلة الملكية أنداك.
في إحدى المرات، تحدث سلطان “باليما” مع بعض الأمريكيين في الخميسات، وإدعى أنه سيبيع لهم الأبقار. اتصل بالعامل وطلب منه تجهيز الأبقار والقطعان، بحجة أن الأمريكيين سيأتون لرؤية أبقار الخميسات. قام ببيع الأبقار لهم وحصل على المال وإختفى كعادته.
كان يتجول في جميع أنحاء المغرب، في المدن والقرى، مدعيًا أنه من العائلة الملكية. كان يزوج الفتيات لنفسه بحجة أنه من القصر، ويقضي معهن شهرًا أو شهرين ثم يختفي.
وكان الناس يأتون إليه من جميع أنحاء المغرب طلبًا للعلاج. كان يدّعي أنه سيجري لهم فحصًا بالأشعة في المصعد، ثم يعطيهم وصفات طبية ويأخذ منهم المال ويتوارى عن الانظار كعادته.
في إحدى المرات، كان يرتدي اللباس السلطاني (الجلباب الأبيض و السلهام و الطربوش الأحمر والبلغة الصفارء الفاقعة لونها) بالقرب من الوداية، ورأى بعض السياح الأجانب يتأملون المدافع التاريخية. عرض عليهم بيع المدافع، وبالفعل باعها لهم. عندما جاء السياح لأخذ المدافع، تم إيقافهم من قبل الشرطة، وإنتهى الأمر بخسارة السائح لأمواله.
كان سلطان “باليما” يطلق على المغاربة لقب “بقر علال”، نسبة إلى علال الفاسي، زعيم حزب الاستقلال. وعندما سُئل عن سبب نجاحه في الإحتيال، قال إن الناس كانوا “بقرًا” لا يعرفون شيئًا بدليل أن هناك مثل مغربي عامي يقول “حنا بقر ما سمعنا خبر”.
لقد كان سلطان “باليما” أشهر محتال في تاريخ المغرب، لدرجة أنه احتال حتى على الملك الراحل الحسن الثاني. استطاع أن يأخذ 100 بقرة من الضيعات الملكية، وحصل على محصول عام كامل من ضيعة ملكية أخرى.
وللمزيد من المعلومات فالمحتال المعروف اسمه الحقيقي هو محمد بن عبد السلام التهامي الوزاني، ولُقب بـ”باليما” نسبة إلى المقهى الشهير كما سبق وقلنا في شارع محمد الخامس وسط العاصمة الرباط، والذي كان مركزًا لعملياته الاحتيالية.
كان يرتدي اللباس المخزني التقليدي: جلابة بيضاء، وسلهام، وطربوش أحمر، وبلغة صفراء، ويحمل عصا تشبه الصولجان. كان يتنقل في سيارة فاخرة مستأجرة تشبه تلك التي كان يركبها الامراء، مما جعل الناس يعتقدون أنه من سلالة السلاطين العلويين.
استغل ذكاءه وشخصيته القوية للاحتيال على الكثير من الناس، مغاربة وأجانب، بما في ذلك الملك الراحل الحسن الثاني. كان يجلس في مقهى باليما، ويدعي أنه ابن عم الملك أو مسؤول كبير في التشريفات الملكية.
وكان الناس يأتون إليه طلبًا للمساعدة في قضايا مختلفة، وكان يأخذ منهم الأموال ويدّعي أنه سيحل مشاكلهم. كان يتصل بالمسؤولين ويصدر الأوامر باسم القصر، وكانوا ينفذونها اعتقادًا منهم بصحة ادعاءاته.
في النهاية، تم القبض عليه وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة النصب وانتحال صفة، ومنع عليه ارتداء اللباس المخزني بالمرة. بعد خروجه من السجن، تاب وعاد إلى رشده.
وعندما منع من هذا اللباس، لم تعد له تلكم الهبة التي كانت له من قبل، إلا أنه شوهد مرارا في مقهى باليما وفي مقهى النهضة (لارونيسانس) بلباس غربي كلاسيكي (costume cravate) سنين قليلة قبل وفاته وهو يتناول قهوته المفضلة، ليخرج رزمة من الأوراق البنكية ليأخذ منها ورقة بنكية يمدها للنادل، لأداء ثمن قهوة عادية، وكان الغرض من تلكم الحركة هو أن يشاهده الآخرون بتلكم الرزمة التي كان يستعملها للإيقاع ببعض السدج دائما.
توفي سلطان “باليما” تاركًا وراءه قصة من أشهر قصص الاحتيال في تاريخ المغرب.
لا يزال الاحتيال موجودًا في المجتمع المغربي حتى يومنا هذا، بل إنه قد ازداد انتشارًا. لتسجل ثاني أكبر محتال في المغرب بعد “باليما” هو المعروف باسم “باب دارنا”، الذي احتال على مئات المغاربة وباع لهم مشروعًا عقاريًا وهميًا لم يكن موجودًا إلا في التصاميم والإعلانات.
استخدم “باب دارنا” الإعلانات التلفزيونية ووظّف ممثلين مشهورين للترويج لمشروعه الوهمي. كان شعار حملته الإعلانية “اشترِ شقتين والثالثة مجانًا”. كانت هذه عملية احتيال كبيرة جدًا، استولى من خلالها على مليارات السنتيمات.
إن قصة سلطان “باليما” وغيره من المحتالين تُذكّرنا بضرورة اليقظة والحذر في تعاملاتنا، وعدم الانخداع بالمظاهر أو الادعاءات الكاذبة. كما تسلط الضوء على أهمية تعزيز الرقابة والشفافية في المجتمع لمنع مثل هذه الحالات من الاحتيال واستغلال الناس.
في الختام، يجب أن نتعلم من هذه القصص ونعمل على بناء مجتمع أكثر وعيًا وحصانة ضد الاحتيال والخداع. فالتعليم والوعي هما أفضل سلاح ضد المحتالين، مهما كانت براعتهم أو قوة ادعاءاتهم.